عيش العاصمة الهندية نيودلهي على وقع حالة طوارئ بيئية وصحية نتيجة انتشار ضباب كثيف من الملوثات في سماء المدينة أدت إلى إغلاق المدارس ومواقع البناء والحد من حركة وسائل النقل، فما الأسباب تشكل هذه السحابة؟ وما آثارها الصحية؟ وهل ستتحرك هذه السحابة باتجاه دول أخرى في المنطقة؟
ما يحدث هذه الأيام هو واحد من أسوأ حالات تلوث الهواء التي مرت بها المدينة العملاقة في السنوات الأخيرة، مما دفع المسؤولين الهنود لوصفها بأنها "غرفة للغاز".
وقد سجلت السحابة في نيودلهي صباح يوم الاثنين (4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري) تركيزا للجزيئات الدقيقة -التي لا يتجاوز قطرها 2.5 ميكروغرام- قدره 469 ميكروغراما لكل متر مكعب من الهواء بعد أن وصلت إلى أكثر من تسعمئة ميكروغرام في بعض المناطق يوم الأحد. وهو أعلى بأكثر من 18 مرة من التركيز الأقصى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية وهو 25 ميكروغراما في المتوسط يوميا.
كيف تشكل هذا الضباب؟
في مثل هذه الفترة من كل عام، تتوفر عوامل طبيعية وبشرية تجعل هواء نيودلهي غير صالح للتنفس.
يقول الخبراء إن ما تشهده المدينة العملاقة ذات العشرين مليون ساكن من تلوث نجم عن عوامل بشرية وطبيعية متداخلة. ففي ولايتي هاريانا والبنجاب المجاورتين لنيودلهي، عادة ما يحرق المزارعون بقايا محاصيلهم في الخريف، بعد انتهاء موسم الحصاد، حيث يقومون بتخليص حقولهم من القش والأعشاب الضارة والآفات استعدادا للزراعة الشتوية.
ويتزامن هذا النشاط الزراعي مع مهرجان ديوالي الهندي للأنوار، الذي يمتد ثلاث أو أربع ليال من الألعاب النارية قبل المهرجان وبعده، في أواخر أكتوبر/تشرين الأول أو أوائل نوفمبر/تشرين الثاني.
وتتميز هذه الأنشطة إلى جانب النشاط الصناعي وأسطول السيارات الضخم في هذه المدينة العملاقة بكونها مصدرا للمركبات الملوثة مثل الجسيمات الدقيقة والأوزون وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد النيتروجين، إضافة إلى عوامل طبيعية مثل درجة الحرارة والرطوبة العالية وسرعة الرياح المنخفضة.
وقد ربطت دراسات علمية سابقة بين ارتفاع تلوث الهواء في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول بانخفاض سرعة الرياح والرطوبة التي تساعد في ارتفاع تركيز الجسيمات الدقيقة المتأتية من حرق المحاصيل ومع مهرجان ديوالي.
ما الآثار الصحية لهذا التلوث؟
عندما تتدنى جودة الهواء إلى المستويات التي نراها في نيودلهي، يصبح الضباب الدخاني مرئيًا ويؤدي إلى تهيج العينين والحلق. كما يمكن لهذه الجزيئات الدقيقة -بقُطر يساوي واحدا من ثلاثين من قطر شعرة الإنسان- التسلل إلى الدم عبر الرئتين. ويزيد التعرض الطويل الأجل لهذه الجزيئات من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وسرطان الرئة.
ولهذا يمكن أن يكون لها آثار قاتلة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، حيث يموت ما يصل إلى 4.2 ملايين شخص كل عام نتيجة التعرض لتلوث الهواء، ويرتبط الضباب الدخاني بارتفاع معدلات الإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية والسكري وسرطان الرئة وأمراض الرئة المزمنة.
هل ستتحرك السحابة نحو دول أخرى؟
يبدو أن هبوب الرياح مساء الاثنين قد خفض نسبيا من التلوث فوق دلهي وتشتت الضباب في مناطق مجاورة لها. لكن صور الأقمار الاصطناعية تظهر تواصل حرق بقايا المحاصيل في شمال نيودلهي مما يهدد بعودة مؤشر التلوث إلى الارتفاع من جديد.
من ناحية أخرى، من المتوقع أن يؤدي اقتراب إعصار "ماها" من سواحل الهند خلال الأيام المقبلة إلى زيادة سرعة الرياح وخفض مستوى التلوث فوق العاصمة الهندية والمناطق المحيطة بها. لكنه من المستبعد علميا أن تتحرك السحابة بشكل متماسك في اتجاه مناطق بعيدة، مع حفاظها -في الوقت نفسه- على مستوى عال من تركيز المواد الملوثة.
المصدر:الجزيره.نت