يبدو أن الشاعر اختار هذا العنوان اللافت لديوانه الجديد وكأنه يحاول أن يسلط الضوء على الواقع الفلسطيني الذي يستحق الرثاء فعلاً، فهو ليس رثاءً بالمعنى الحقيقي الكامل؛ لأن الشعب الفلسطيني لم يصل الى درجة الموت، ولن يصل اليه ان شاء الله، حتى يرثيه، وانما هو في حالة من اليأس والسكون والهبوط على أكثر من صعيد، حتى لم نعد نقوى على تحريك ساكن، وما استشهاد الأسير سامي ابو دياك هذا الأسبوع ونفي جثمانه الى الاردن بعيدا عن موطنه الذي عاش وترع فيه الا تعبيراً عن هذا العجز الجماعي لشعب يفترض أنه تمرس في كل أشكال النضال ضد الاحتلال، ولذلك جاء العنوان " ما يشبه الرثاء" لان الشاعر على ما يبدو خجل من اعلان الحقيقة المرة وانكشافها وترك لنا – تأدبا- جزءاً من الحياة حتى لا يرثينا علانية.
فراس الحج محمد شاعر وتربوي يقيم في مدينة نابلس، أصدر ديوانه الجديد الذي ضم ثمان وثلاثين قصيدة متنوعة، وكأنها حديقة مختلفة الأزهار يحتار القارئ أي منها هي القصيدة الأجمل، فيجد القارئ بين ثنايا الديوان قصائد الغزل والفرح والترحال الى جانب قصائد اخرى في الرثاء والوصف وغيرها.
من خلال قراءة هذه النصوص نلاحظ أن الحزن كسى هذا الديوان بشكل عام، فتكررت الفاظ الحزن، وصوره، حتى أن الشاعر نظم قصائد متعددة للحزن، منها: خلايا الحزن ، فيقول: (صفحة 41)
فأنا منذ تفتحت
لم أرتل غير أحزاني.
أما قصيدة أحزان مقدسة، فيقول فيها ( صفحة 17 )
هو هكذا شبحا
يعيش بلا جسد
وبه كما بالامس أوجاع
تدنسها الرؤى ويرميه الكمد.
ويتكرر الامر نفسه في قصيدة عندما يكون الحزن أبيض( صفحة 81) فيقول:
هو هكذا حزني القديم
كالموت
مستلقيا في دمائي الساكنة.
لكنه في شعره الاجتماعي يبدع بطريقة نقده للمجتمع الذي يعيش به. فأمام ما نشاهده في الحالة الفلسطينية من انقسام سياسي، واختلاف في الرؤى والمنطلقات الفكرية، يدعي فيه كل طرف احقيته وصواب منهجه، فقد جاءت قصيدته لم يعد أحد بريئاً(صفحة 83 )ناقدة لهذا الواقع المؤلم، وأصدر حكمه على الكل الفلسطيني والعربي ولم يبرئ أحداً من حالة الخلاف والقصور فيقول:
رأيت يوسف ما رأيت به أباه
رأيت بعض رؤاه في حاشية القمر المفتت في الغناء
واخوته تولوا راحلين وتركوه في جب المهامة مستكين
وحدثوا الركبان
عن ولد وسيم اغرى الذئاب بكل دم.
أما في قصيدة وجع السؤال..تعب الحقيقة (صفحة 163 ) فيقول:
من يكشف المستور
ويجرؤ أن يقول: الذئب سيد على القطيع؟
من يحقق في جرائمنا
ويصبح قاتلا مشهور
هنا وجع معذب
تعب على تعب مركب.
ومن هذا التعب، ومن مشاهد التخلي عن القضية الأم من بعض العرب، يضغط شاعرنا على كبسة زر الريموت كنترول ويقلب بين المحطات الفضائية في تلفازه ليستقر على مباراة نسائية في التنس الأرضي تشد انتباهه، وتبعده عن مشاهد العنف والاحباط في عالمنا العربي، فيستل قلمه وينظم قصيدته كن هامشيا وكفى(صفحة 74) فيقول:
لا أجمل من لاعبات التنس الأرضي
أجسادهن المنصوبة مثل أعمدة الرخام.
يصل الشاعر الى قصيدة رثاء(صفحة 127) التي ينهي كل مقطع فيها ب "قولي له قد مات" فيطرح الشاعر جملة من الذكريات الجميلة التي كانت تعني حياة تلك الفتاة التي غيب حبيبها لأسباب لم يعلن عنها هل هو الفراق والهجران والسفر أم الموت والشهادة؟ فيقول:
ان جاءك اليوم الصباح
مكللا بالياسمين
قولي له "قد مات"
ان جاءك الفنجان يبحث عن
جنون العشق في القهوة
عن نصوص الشعر في اللحظة
قولي له قد مات.
ونختم بالعمر، فهو يسير بلا توقف دون أن ندري. ففي قصيدته الوقت مشبع بالثرثرة (صفحة 138) يقول:
وأنسى أنني صرت فوق الأربعين
فلا أريد أن أكبر
ولا أحزن
ولا أن أصبح فيلسوفا أو حكيما أو شخصا جديرا بامامة الناس.