يعتزم باحثون من أربعة دول البدء في إجراء التجارب السريرية لنهج غير تقليدي في التصدي لفيروس كورونا المستجد، حيث يخططون لمقاومته باستخدام لقاح تم التوصل إليه قبل قرن من الزمان.
ويستخدم هذا اللقاح في الأساس ضد المرض البكتيري "السل"، ويمكنه تعزيز جهاز المناعة البشري بشكل كبير، ما يدعمه في محاربة الفيروسات مثل كورونا المستجد المسبب لمرض "كوفيد 19" بشكل أقوى، وربما منع العدوى، بحسب مجلة "ساينس" للعلوم.
وسيتم إجراء الدراسات على الأطباء والممرضات، الذين هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي من عامة السكان، وأيضًا كبار السن الذين هم أكثر عرضة لمضاعفات خطيرة إذا أصيبوا بالفيروس.
ومن المقرر أن يبدأ فريق هولندي أولى التجارب هذا الأسبوع. سيقومون بالاستعانة بألف متطوع من العاملين في مجال الرعاية الصحية في ثمانية مستشفيات هولندية، لتلقي إما اللقاح المسمى "عصية كالميت غيرين" (BCG)، أو علاج وهمي.
يُعطى اللقاح للأطفال في السنة الأولى من مولدهم في معظم بلدان العالم، وهو آمن ورخيص ولكنه بعيد عن الكمال؛ إذ يمنع حوالي 60% من حالات السل لدى الأطفال في المتوسط، مع وجود تباين كبير بين البلدان.
تُزيد اللقاحات بشكل عام الاستجابات المناعية الخاصة بمسببات الأمراض المستهدفة، مثل الأجسام المضادة التي تقيد وتحيد نوعًا واحدًا من الفيروسات دون غيره.
لكن "بي سي جي" قد يزيد أيضًا من قدرة الجهاز المناعي على مكافحة مسببات الأمراض غير بكتيريا السل، وفقًا لدراسات إكلينيكية وملاحظات نشرها الباحثان الدنماركيان بيتر آبي وكريستين ستابيل بن، اللذان يعيشان ويعملان في غينيا بيساو، على مدى عدة عقود.
وخلصا الباحثان إلى أن اللقاح يمنع حوالي 30% من العدوى بأي مسبب مرض معروف، بما في ذلك الفيروسات، خلال السنة الأولى بعد إعطائه. وانتُقدت الدراسات المنشورة في هذا المجال لمنهجها.
ومع ذلك، خلصت مراجعة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2014 إلى أن لقاح السل يبدو أنه يقلل من الوفيات الإجمالية لدى الأطفال، لكنها صنفت الثقة في النتائج على أنها "منخفضة للغاية". في 2016 صدرت مراجعة أخرى أشارت إلى الفوائد المحتملة لـ"بي سي جي" لكنها قالت إن هناك حاجة لتجارب عشوائية.
منذ ذلك الحين، زادت الأدلة السريرية واتخذت عدة مجموعات خطوات مهمة للتحقيق في كيفية تعزيز اللقاح لجهاز المناعة بشكل عام. واكتشف ميهاي نيتيا، أخصائي الأمراض المعدية في المركز الطبي بجامعة رادبود، أن اللقاح يمكنه تغيير القواعد المعروفة عن كيفية عمل المناعة.
حاليًا، تقوم مجموعة بحثية في جامعة ملبورن بإعداد دراسة حول اللقاح مستعينة ببعض العاملين في مجال الرعاية الصحية. ستقوم مجموعة بحثية أخرى في جامعة إكزتر بإجراء دراسة مماثلة عد كبار السن.
فيما أعلن فريق في معهد ماكس بلانك لبيولوجيا العدوى، الأسبوع الماضي، أنه سيشرع في تجربة مماثلة على كبار السن والعاملين بالمجال الصحي، باستخدام " VPM1002" وهي نسخة معدلة وراثيًا من "بي سي جي" لم تتم الموافقة عليها بعد للاستخدام ضد السل.
تقول إليانور فيش، أخصائية المناعة في جامعة تورنتو، إن اللقاح ربما لن يزيل العدوى بفيروس كورونا المستجد تمامًا، لكن من المرجح أن يخفف تأثيره على الأفراد.
عالميًا، تجاوزت الإصابات بفيروس كورونا المستجد الذي ظهر لأول مرة في وسط الصين نهاية العام الماضي، 400 ألف إصابة، وأكثر من 18 ألف حالة وفاة، فيما تخطى عدد المتعافين 100 ألف.
وفي حين كانت أغلب الحالات مسجلة في الصين حتى منتصف الشهر الماضي، فإن مرض "كوفيد 19" انتشر على نحو متسارع في مناطق مختلفة من العالم، وبلغت الإصابات 69 ألفًا في إيطاليا و49 ألفا في الولايات المتحدة و39 ألفا في إسبانيا، إلى جانب الآلاف في نحو 180 دولة أخرى.
وعُطلت الدراسة في عدد من الدول حول العالم، إلى جانب إلغاء العديد من الفعاليات والأحداث العامة وعزل ملايين المواطنين. كما أوقفت عدة دول الرحلات الجوية والبرية بين بعضها البعض خشية استمرار انتشار الفيروس.
وصنفت منظمة الصحة العالمية يوم 11 مارس/ آذار مرض فيروس كورونا "جائحة"، مؤكدة أن أرقام الإصابات ترتفع بسرعة كبيرة، معربة عن قلقها من احتمال تزايد المصابين بشكل كبير.
لكن المنظمة قالت في وقت سابق من هذا الشهر، إن تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد سيستغرق عاما على الأقل لكنه سيحدث. وفي غضون ذلك يحاول الباحثون الاستفادة من اللقاحات المتاحة لأمراض أخرى على أمل أن تكون قادرة على مقاومة "كوفيد 19".