وعلى مدار الأيام الثلاثة الأخيرة، ظلت صناعة النفط تترقب على أحر من الجمر بسبب رفض المكسيك الضغوط السعودية للمشاركة في تخفيضات عالمية تعادل ما يقرب من ربع إنتاج الدول المشاركة وذلك بهدف رفع الأسعار من أدنى مستوياتها منذ عشرات السنين.
وكانت الأسعار قد انهارت في الوقت الذي تسبب فيه تفشي فيروس كورونا المستجد في ركود اقتصادي في شتى أنحاء العالم ودمر الطلب على الوقود.
وسلط رفض الرئيس أندريه مانويل لوبيز أوبرادور تعريض خطته لإحياء شركة بيمكس، من خلال الموافقة على تخفيضات كبيرة، الضوء عالميا على المكسيك إذ منح الرئيس الأولوية لبرنامجه المحلي على المصالح الجماعية لأكبر منتجي النفط في العالم.
وفي إطار عزمه دعم شركة بتروليوس مكسيكانوس الخاسرة والمثقلة بالديون، المعروفة رسميا باسم بيمكس، عرض الرئيس لوبيز أوبرادور خفض الإنتاج 100 ألف برميل يوميا فقط بدلا من 400 ألف برميل يوميا يطالب بها المنتجون.
وفي حل وسط تم التوصل إليه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال لوبيز أوبرادور يوم الجمعة 10 ابريل إن الولايات المتحدة عرضت خفض 250 ألف برميل إضافية يوميا بالنيابة عن المكسيك لتقترب من تحقيق الهدف المنشود.
غير أن السعودية رفضت ذلك وأصرت على موقفها رغم أن بعض المنتجين الآخرين من الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءهم في مجموعة أوبك+ يطالبون ببدء تطبيق التخفيضات بغض النظر عن ذلك.
ودافع لوبيز أوبرادور وهو من أشد الناس تمسكا بالمطالبة بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى عن موقفه يوم الجمعة مشيرا إلى الفترة التي كانت فيها المكسيك ”قوية“ و“مكتفية ذاتيا“ في النفط.
وقال الرئيس البالغ من العمر 66 عاما للصحفيين ”كانت هناك بعض التقارير في الصحف تحاول تحميلنا المسؤولية وتقول إنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بسببنا“ مضيفا أن المكسيك لا يمكنها أن تتحمل خفض الإنتاج 23 في المئة مثلما طلب آخرون منها لكنها عرضت خفضه بنسبة 5.5 في المئة.
وقال مسؤول مكسيكي كبير لرويترز إن إصرار لوبيز أوبرادور على أهمية إنقاذ بيمكس حيوي للأسباب التي تذرع بها في إقناع ترامب بتقديم يد المساعدة.
من ناحية أخرى أثارت مندوبة المكسيك في محادثات أوبك+ وهي وزيرة الطاقة روسيو نالي استياء بعض الدول الأخرى لاسيما السعودية التي استضافت المحادثات وقال مفاوضها الأمير عبد العزيز بن سلمان إن الموافقة على استثناءات ربما تشجع الدول الأخرى على التحلل من التزاماتها فيما يتعلق بالإنتاج حسبما قال عدة مندوبين.
وقال مصدر في أوبك ”إذا قبلت أوبك+ ذلك وانسحب كل من لم تعجبه الأرقام فإننا سنواجه فعليا وقتا عصيبا“.
وقال المصدر إن نالي التي وافقت الشهر الماضي على المشاركة في تخفيضات أصغر تشبثت برأيها في ما يتعلق بالتخفيضات المقترحة.
وبالنسبة للمنتجين، تعتبر التخفيضات دواء مرا لكنه ضروري لعلاج انخفاض الأسعار. ويعتمد العراق على إيرادات النفط في إعادة البناء بعد سنوات من الصراع الداخلي ولكنه التزم بتخفيض إنتاجه بمقدار مليون برميل يوميا.
انسحاب مكسيكي
اتهم بعض المندوبين نالي بوضع السماعة أثناء حديث وزراء آخرين خلال المؤتمر الذي عقد عبر دائرة تلفزيونية لكنها ردت على ذلك يوم الجمعة قائلة في مقابلة بالإذاعة المكسيكية إنها تحترم الدول الأخرى وإن على كل حكومة النظر إلى قدراتها الخاصة.
وأضافت ”سنخسر في هذا الوضع. المنتجون سيخسرون والمستهلكون أيضا“.
ويتعلق لب الخلاف بمستوى الإنتاج المرجعي الذي تستخدمه المكسيك التي بنت حساباتها هذا العام على أساس أن سعر النفط 49 دولارا للبرميل أي أعلى كثيرا من الأسعار الحالية. وستخسر المكسيك جزءا من إيراداتها إذا أُجبرت على إجراء التخفيضات.
وجرب مندوبون عدة سبل مختلفة للتحايل على هذه المشكلة لكن مصدرا في أوبك قال إن السعودية تشبثت برأيها.
ويوم الجمعة 10 أبريل نيسان قال الأمير عبد العزيز إن مستقبل الاتفاق يتوقف على مشاركة المكسيك في التخفيضات. ولم يتسن حتى الآن الاتصال بالحكومة السعودية للتعليق.
وتشكو السعودية منذ سنوات من أنها تتحمل عبء التخفيضات الإنتاجية العالمية لرفع الأسعار رغم أن دولا أخرى تزيد إنتاجها. وترأس السعودية مجموعة العشرين في الوقت الحالي.
وأشار منتجون كبار آخرون إلى أن الترتيب الأمريكي المكسيكي ليس عائقا أمام إبرام اتفاق وقالت الإمارات والجزائر يوم السبت إنه تم التوصل إلى اتفاق عملي.
وقال مصدر روسي إن موسكو لا يعنيها كيفية تقسيم الخفض الإنتاجي بين المكسيك والولايات المتحدة وإنها تعتبر الاتفاق محسوما.
وشعر بعض الدبلوماسيين في مكسيكو سيتي بالحيرة لإبرام لوبيز أوبرادور اتفاقا مع الرئيس ترامب الذي كان بمنزلة شوكة في جنب المكسيك فيما يتعلق بالتجارة والهجرة منذ تولى منصبه.
وقال ترامب دون الخوض في التفاصيل إن المكسيك سترد الثمن للولايات المتحدة في موعد لاحق وإن كان أسلوب تنفيذ الاتفاق غير واضح. واتفق الدبلوماسيون في الرأي أن المكسيك ستدفع على الأرجح ثمنا لذلك في المستقبل.
وقد أتاح التزام لوبيز أوبرادور حيال شركة بيمكس له فرصة للترويج لقضية وطنية غير أن خبراء في الطاقة يتشككون في امتلاكه الوسائل الكفيلة بتحويل دفة الأمور في الشركة.
وأدت خطط الرئيس المكسيكي إلى مخالفته لقطاع الطاقة العالمي من أوجه أخرى. فقد أعلنت حكومته خططا استثمارية لشركة بيمكس الأسبوع الماضي في الوقت الذي أعلنت فيه أكبر شركات الطاقة الخاصة والحكومية في العالم تقليص خطط الإنفاق بنحو الثلث في المتوسط.
بل إن بعض المخضرمين في اليسار المكسيكي الذين عايشوا مصادرة المصالح النفطية الأمريكية والبريطانية في 1938، في خطوة أدت إلى قيام شركة بيمكس، يرون أنه أفرط في الرهان على الشركة.
ويقول من يعرفونه جيدا إنهم يعتقدون أنه لن يتراجع عن موقفه.
وقالت بوليمنيا رومانا سيرا وهي من قدامى المساعدين المقربين منه إن النفط ”كان الراية التي رفعها منذ سنوات للوصل إلى الرئاسة. لا أعتقد أنه سيقدم تنازلا“.
MCD