إستخدام الأنفاق في غزة لا يقتصر على تخزين الصواريخ، أو تنفيذ الإنزالات خلف خطوط العدو، أيضا قذائف الهاون التي تُطلق الآن من غزة غدت سلاحا وصفته المصادر الاسرائيلية بـ"الفتاك"، حيث أن صفارات الإنذار لا تتمكن من العمل في وجه قذائف الهاون، فهي ليست ككاتويشا عيار 107 أو غراد أو M75 أو براق 70، فبذلك تسقط قذائف الهاون فجأة على كيبوتسات المستوطنين وفوق رؤوس تجمعات الجنود في غلاف غزة بدون سابق إنذار، ورغم وجود سلاح الهاون في غزة منذ سنين طويلة، إلا أن هذا التطور اللافت في إستخدام المقاومة الفلسطينية لقذائف الهاون بدا اليوم، ويعود لجملة من الأسباب.

 في بداية انتفاضة الاقصى كنت شأني شأن غيري أسمع أصواتاً تقول أن هذه القذائف- أي الهاون- ضررها أكبر من نفعها ! هو للحقيقة كان هناك ضررٌ مترتب على استخدام الهاون لكنه ليس أكبر من منفعتها، فكثيرة هي الحالات التي كانت تُغير فيها المقاتلات الاسرائيلية و طائرات الاستطلاع المشهورة بـ"الزنانات" على الوحدات الصاروخية من مقاتلي المقاومة الفلسطينية ما قبل عام 2012.

الجميع كان يسمع في الاخبار نبأ إستشهاد قائد الوحدة الصاروخية في لواء كذا، أو إرتقاء إثنين من أفراد الوحدة الصاروخية بقصف جوي اسرائيلي، اليوم السماء ملبدة بعشرات الطائرات الاسرائيلية التي لا تفارق الأجواء، وتقصف أراضٍ زراعية فارغة ويعود الهاون ليضرب من جديد، ولا نسمع في الأخبار عن شهداء من الوحدات الصاروخية كما في الأعوام السابقة.

قديماً كانت كمية إطلاق قذائف الهاون محدودة فقط بضعة قذائف قد يصل متوسط معدل الإطلاق الى 5 قذائف على أكثر تقدير خلال الوجبة الواحدة، ثم تغادر مجموعة المقاتلين المنطقة بشكل فوري في سيارة خاصة خوفا من القصف الاسرائيلي، فأمام وحدة المقاتلين فقط بضعة دقائق قبل أن تغير الطائرات الاسرائيلية عليها، لكن اليوم نحن نتحدث عن عمليات اطلاق للهاون قد تصل الى إطلاق أكثر من 15 قذيفة من نفس الموقع دون أن تشعر بها الطائرات الاسرائيلية التي تغير على المناطق الزراعية ولكن وتيرة الهاون تتصاعد بشكل مستمر.

في البدايات الأولى لإطلاق الهاون في غزة كانت العملية الواحدة تحتاج إلى 3 مقاتلين على الأقل، الأول يحمل القاذف وثانٍ يحمل أكياس الرمل، وثالث يحمل القذائف المخصصة للإطلاق، ثم يقوم أحدهم بشد حبل بعد وضع القذيفة داخل القاذف ويبتعد الجميع الى خلف الهاون بسرعة، هذا بالنسبة للهاون من العيار الثقيل، أما الهاون غير الثقيل أي أقل من 120 فيبدو أن مقاتلا واحدا كان يلقي بالقذيفة في فوهة القاذف ثم يركض مسرعا الى الخلف فتنطلق القذيفة، ويسارع الجميع الى تفكيك القاذف والانسحاب نحو السيارة المعدة مسبقا لهذا الغرض.

اليوم الوحدات الصاروخية تخلصت من خطر القصف الذي أدى لإرتقاء عشرات الشهداء من أفراد وحداتها الصاروخية أو المدفعية كما يطلق عليها، فليسوا بحاجة لتفكيك وتركيب أثناء كل عملية، أصلا ليسوا بحاجة للظهور فوق الأرض واستخدام السيارات، فالجميع شاهد كيفية إطلاق قذائف الهاون عبر الأنفاق من خلال مواقع يسمى الواحد منها "مربض الهاون"، أيضا لم يعد هناك حاجة لـ3 مقاتلين أو أكثر خلال كل عملية، فمن مربض الهاون يمكن لمقاتل واحد أن يقوم بتلقيم القاذف المنصوب أصلا، وتحديد الإحداثيات وتعديلها ثم القصف.

علاوة على كل ذلك، فإن قذائف الهاون سهلة التصنيع محليا، ففي الفيديوهات التي أظهرتها فصائل المقاومة حتى ما قبل عام 2006 كانت تتم الصناعة بشكل سريع للقذائف، فكيف بقطاع غزة الذي مر بفترات تهدئة ؟؟!! إذا كانت المقاومة الفلسطينية تستغل تهدئة بضعة ساعات وبضعة ايام في التصنيع كما شاهد الجميع عبر الإعلام قبل أسابيع، فكيف بفترات تهدئة سابقة إمتدت لسنوات؟!

في الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي وأثناء الحملة البرية لم يكن إستخدام الهاون كثيفا مقارنة بما بعد إنتهاء الحملة البرية الإسرائيلية، وهذا يثبت من جهة أخرى أيضا أن المقاومة لا تزال تمتلك الكثير الكثير من قذائف الهاون المكدسة في مخازنها الأرضية، ولا أدل على ذلك من اليوم، فعشرات القذائف تُطلق من غزة وكل يوم تزداد وتيرة إطلاقها وعددها عن السابق، وحول خطر الهاون وما سببه يكشف المحلل الإسرائيلي أليكس فيشمان أن 20 جنديا من بين الـ64 الذين إعترف بمصرعهم الإحتلال قُتلوا بقذائف الهاون الفلسطينية من قطاع غزة.

صحيح أن قذائف الهاون لا تصل إلى تل أبيب، لكن المعادلة الآن غدت واضحة للجميع، المعادلة ببساطة هي: هاون+أنفاق= أمطار قذائف بلا صفارات= نكبة مستوطني غلاف غزة.