بقلم / عبد الناصر فروانة
1-3-2014
تتكدس السجون والمعتقلات الإسرائيلية بما يزيد عن ألف وأربعمائة أسير فلسطيني، ولكل واحد من هؤلاء حكاية مع المرض الذي يفتك بأجسادهم وينهش لحمهم وينخر عظامهم، مما يزيد أوضاعهم سوء وخطورة.
مرضى مكبلون في أصفاد من الحديد، وسلاسل تحبس حركتهم وتقيد حريتهم في غرف ضيقة ومعتمة بين جدران وأسلاك شاهقة، يحرسها سجان مجرم ومجرد من الإنسانية.
وأجسادهم منهكة ومحطمة، وعظامهم ضعيفة وهشة، وأطراف بعضهم مبتورة، وأورام سرطانية تتغلغل داخلهم، وأخرى غامضة وغريبة يصعب تشخيص بعضها شرعت منذ زمن بمداهمة أجسادهم والانتشار بكثافة بين صفوفهم.
أسرى مكبلون، تارة بسلاسل حديدية قيدت حركتهم، وتارة أخرى بالمرض الذي تغلغل في أجسادهم لشل قدرتهم على قضاء حاجتهم الخاصة، وعشرات منهم يحتضرون ويتمنون الموت من شدة الألم، لكنهم لا يريدون الموت في غياهب السجون، ولا يريدون العودة محمولين على الأكتاف في توابيت سوداء، وان كان الموت حق فهم يريدون الموت بين أحبتهم الذين اشتاقوا لعودتهم.
والأسير الفلسطيني "صدقي حامد شاكر الزرو التميمي" (54عاماً) واحد من أولئك المرضى، يعاني كغيره من الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة السجن وعدم تقديم الرعاية الطبية له خلافا لما تنص عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية، بل وتتفنن في إلحاق الأذى بهم.
"صدقي" لم أعرفه من قبل، لكن رسالة وصلتني من ذويه في مدينة الخليل دفعتني للتضامن معه بشكل خاص، والكتابة حوله، وهو متزوج ولديه أسرة مكونه من (18) فرداً، وكان والده قد توفي وهو داخل الأسر، وكان قد اعتقل في السادس عشر من آب/أغسطس عام 2002 بعد اقتحام بيته من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وحكم عليه بالسجن لمدة (35 سنة ) بتهمة مقاومة الاحتلال والانتماء لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة "فتح".
وبالأمس أعلن عن خطوبة ابنه الثالث "طارق" وفرحة أسرته كانت بالتأكيد مجبولة بالألم ومغموسة بالحزن ، فيما خمسة من بناته تزوجوا وهو في الأسر وهن "ابتسام، بيان، نداء، تحرير، ماوية" .
يعاني الأسير "صدقي" من عدة أمراض منها " السكري، ومشاكل في العمود الفقري، والقولون، ومشاكل في المعدة والأمعاء وصعوبة في الإخراج، إضافة إلى حساسية من البنسلين وأدوية أخرى مما يفاقم من معاناته، وكما أنه لا يقوى على السير إلا بعكاز للمشي ويعاني من هزال شديد ونقص بالوزن،.
ان الأوضاع الصحية داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية هي أوضاع استثنائية من الناحية الصحية، قل ما يعيشها أسرى أو معتقلون في مناطق أخرى من العالم ، وصور معاناتهم كثيرة وربما لا نستطيع حصرها؛ والانتهاكات والجرائم بحقهم متعددة ، لتؤكد أن الملف الطبي هو الأقسى ألماً ووجعاً والأكثر إلحاحاً وسخونة من بين ملفات الحركة الأسيرة.
مما يتطلب من الجميع إيلاء هذا الملف الأهمية التي يستحقها والدعم والإسناد الذي يجب أن يستحوذه على كافة الصعد والمستويات، والمهمة الأكبر في هذه الأيام تقع على عاتق المفاوض الفلسطيني وضرورة إدراجه على طاولة المفاوضات والإصرار على إطلاق سراح كافة المرضى وإغلاق ملفهم، بعد إغلاق ملف الأسرى القدامى.
صدقي التميمي ، رياض العمور ، منصور موقدة ، خالد الشاويش ، ومعتز عبيدو، يسرى المصري ، ابراهيم البيطار ، ناهض الأقرع ، محمد أبراش ، ومراد أبو معيلق ومعتصم رداد وغيرهم، هم بحاجة إلى جهد دؤوب من قبلنا جميعا بما يكفل إنقاذ حياتهم وضمان حريتهم ، أولئك الذين يجمعون ما بين قسوة السجن وظروفه وبشاعة السجان ومعاملته، وسوء الأوضاع الصحية والإهمال الطبي ومعاناتها، وألم المرض ووجعه.
سجون ومعتقلات إسرائيلية محكمة الإغلاق أمام المؤسسات الدولية والحقوقية والإنسانية، وأبوابها موصدة في وجه وسائل الإعلام المختلفة، لكنها مفتوحة على مصراعيها أمام المرض اللعين الذي لا يجد صعوبة في مداهمة أجساد الأسرى وافتراسها على مسمع ومرأى من العالم أجمع، فبات كل الأسرى في خطر وتحولت السجون الإسرائيلية إلى مقاصل الموت البطيء.
" حسبي الله ونعم الوكيل "