و كنتِ ترددين دائماً:"في الغربة كلّ شيء موجع، وعند اجتماع آلامها مرصوصةً بآلام الدراسة في آن واحد، فآلام المخاض التي تسبق الولادة تسهلها بكثير، لكني سأصبح طبيبة ً، أنا والملاك و القدر بجانبٍ واحد، في آن واحد، و مرّت خمسة أيّام عجافٍ يا أختي، ثقلاء محملةٌ بنكهة المرارة، نكهة البعد و الجفاء، بين سِوارة الحلم ريعان من غصة الفقدان لاحت بإشارة الرحيل بعيداً بعيداً بعيداً،سطرتها بخطواتٍ جافة ناحت بحلم ارتداء الأبيض وهماً.
خمسة أيامٍ مضت، كنتِ من أول الوجوه التي احتضنتني بدفئها في غربتي، كم أكره لعنة القدر في فرض لحظات الفراق علينا، يمنحننا سعادةً لا تقدر بثمن كسرابٍ تمضي بلمح البصر، واحتضننا بيتٌ واحد ،غرفة واحدة، مشاعرٌ واحدة، وفرقنا القدر واحدةً واحدة.
و كلّما هبّ صوت الله أكبر تذكرتك، كياسمينةٍ فاحت رائحة أرجوانها بين نسيم كل مكان، صوت المنبه بات مزعجاً، ورنتك الصباحيّة قد غادرت أدراجها في سطورِ حكايةٍ طويت مع ذرات ترابٍ في دولةٍ أخرى، وبين اهتمامك اليومي ثلاث مرات باتت عاجزةً عن اللاشيء.
و أنتِ كالوطن لك رائحةٌ خاصة، روحٌ أخرى، كيانٌ آخر، لكِ عبق ذكرياتٍ ستبقى منثورةً مع نسيم كلّ صباحٍ غربيٍ آتٍ من مكانٍ بعيد، لكِ قدرة خفية تتسلل بين ظهيرةِ يومٍ و عشية غدٍ ما زال في الطريق، لك ألبوم صورٍ تتقلبُ صفحاته أمامَ عيون فاقديه، تتسلل خفيةً من أعلى الجبين إلى طرف العين اليسرى سارقةً دمعة حزنٍ، راسمةً غمازاً على الخد الشرقيّ معلنةً ابتسامة ألمٍ مرير.
و أنتِ كصباحٍ معبقٍ برائحة زعترٍ، كمعجزةِ سفر بين البلدان شبهُ خيالية ليست بحاجة لتذكرة سفر،ٍ و شارة عبور،ٍ وخطوطٍ، و أنت كمساءٍ لا يشاطرهُ به كائنٌ كان لا تنافسه به أبيات نزارٍ و كلمات درويش .
و أنتِ كرائحة ياسمين ٍ، ظلُ داليةٍ و حكايات أجداد لا تنتهي عن الحديث، و أنت حبيبةً مرصعة بياقوتٍ وأرجوان.
في أصعب اللحظات و أقساها كنا سويّاً، في أجمل اللحظات شاطرت وجوهنا ابتسامةٌ واحدة، باتت من أجمل و أولى ذكرياتي، صديقتي أختي، وقت الوداع قد دقت أجراسه بإجبارٍ، و حانت، لكن الأيام لن تقوَ على مسح أجمل ذكريات شاطرناها خلال ثلاث سنواتٍ كنتٍ واحدةً من الملائكة، وستبقين، و روحك ما زالت تحوم حولي، وإني أشتاقكِ قدر دعائي للرحمن بالرحمة والغفران لك.
ويا غابة مليئة بالأرجوان هل ستذكرين أن أحد أغصانك ذُبِلت أوراقه، و لم تنصفيه !.و لروحك سلامٌ يا غالية..الموت لا يوجع الموتى..الموت يوجع الأحياء.