بعد أن وضعت الحرب أوزارها..وهدأت نيران المدافع والصواريخ..وتوقف المطر الساقط من السماء حمما من نار فوق رؤوس أطفال ونساء وشيوخ غزة ..تلك الحرب التي دمرت كل مظاهر الحياة إلا إرادة الصمود والانتصار, وأخذت معها أرواح مئات من الأطفال الرضع والشيوخ العجز والنساء المثقلات بهموم الوطن والأبناء..ومسحت عن الوجود عشرات الآلاف من البيوت والمساكن والمدارس...انتهت الحرب مؤقتا بانتظار استئناف المسير نحو النصر الأكبر وخرجت غزة الصامدة الصابرة منتصرة رغم عمق الجراح وعذابات الموت والدمار الهائل ,واّهات المكلومين والمشردين ,وأنات الجرحى وصراخ المعوقين.

توقف العدوان الهمجي البربري على أهلنا في غزة ,وانجلى غبار المعركة كاشفا عن أروع الملاحم البطولية التي لقن فيها العدو درسا لن ينساه وعجز معها عن تحقيق أي من بنك أهدافه المعلنة,ووقف جنوده وقادته المجرمين مذهولين مرعوبين أمام إبداعات المقاومة وشراسة المقاومين ووحدتهم وتماسكهم وقدرتهم على ضرب أبعد مكان في فلسطين المحتلة لتطال كل أهداف العدو ومكامنه العسكرية والاقتصادية.

نعم انتصرت غزة وانتصرت معها القضية ولكن ماذا بعد الانتصار؟؟

إن انتصار غزة يعتبر محطة مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية وعلى طريق تحقيق النصر الحاسم والناجز ودحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف, كخطوة مرحلية تنسجم وقرارات الشرعية الدولية المتخذة في ظل ظروف ومناخات سياسية معروفة,وعدم إسقاط الحق العربي التاريخي في فلسطين من نهرها لبحرها كهدف استراتيجي لا يمكن التفريط به ,وانتظار مناخات دولية جديدة على طريق تحقيق الهدف الاستراتيجي ممثلا بتحرير كامل الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1948م.

من هنا نجد لزاما على الكل الوطني الفلسطيني الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب التدميرية ,واستثمار وحدة الدم والسلاح التي تجسدت على أرض المعركة وأنجزت كل هذه الملاحم البطولية الرائعة في سفر النضال الفلسطيني الطويل ,والعمل معا وسويا على تعزيز الشراكة السياسية والكفاحية والتعاون الخلاق في إعادة العمار والإصلاح,والأخذ بعين الاعتبار التوازنات الجديدة التي أفرزتها أرض المعركة ,وتسخيرها جميعا في إطار تعزيز دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لكافة أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده ,وإعادة تفعيل هيئاتها ومؤسساتها بحيث تضمن مشاركة الكل الوطني في كل هيئاتها ومجالسها ومراكز اتخاذ القرار فيها بشكل يحفظ حق التوازن والإيقاع على الأرض ,وكذلك الاتفاق على محددات الثوابت الوطنية وخصوصا تلك المعمدة بدماء مئات الاّلاف من أبناء شعبنا,والعمل بروح الشراكة الكاملة في إدارة المناطق التي تخضع لسلطة الشعب والمقاومة في الضفة وغزة,وأيضا الشراكة الكاملة في صياغة النظام الأساسي الفلسطيني,وحث الخطى نحو تأسيس نواة الجيش الفلسطيني القادم واعتبار كل المقاومين ومن كل الأطياف والتشكيلات المقاومة جزء أصيل في تركيبة الجيش الفلسطيني على طريق بسط سيطرته على كامل الأراضي المحررة.

إن المعطيات الجديدة المواكبة لانتصار غزة تفرض علينا الاستعداد الكامل لوضع رؤية فلسطينية مستقبلية تستند للميثاق الوطني الفلسطيني المعمد بالدماء الزكية والطاهرة ,والانطلاق بواقعنا نحو العمل الجاد والد ؤوب وعلى كافة المستويات الدبلوماسية والكفاحية ,وتعزيز الشراكة النضالية بالعمق القومي الثوري العربي ,وكذلك العمق الإسلامي والإنساني,وصولا نحو تحقيق كامل أهدافنا في الوحدة والتحرير وانجاز الاستقلال وكنس الاحتلال والاستعمار ودحر كيد المعتدين المتربصين شرا بآمتنا وقضيتنا العادلة ,وإقامة دولتنا المستقلة وبسط سيادتها على كامل التراب العربي الفلسطيني المحتل وعاصمتها القدس الشريف.

                                                               بقلم: ثائر حنني

                                                     بيت فوريك- فلسطين المحتلة

                                                              أيلول- 2014