طولكرم- "كفر زيباد
: تراث معماري مهدد بالإندثار".. تحت هذا العنوان افتتحت شبكة أمين الإعلامية ونادي اتحاد كفر زيباد معرضا للصور الخاصة بمباني القرية القديمة الواقعة في محافظة طولكرم، وذلك في إطار حملة مشتركة تهدف لتسليط الضوء على واقع البلدة القديمة المهددة معالمها بالإدثار.
وعرضت 30 صورة من الحجم الكبير واقع المباني التي يعود تاريخها لأكثر من مئة عام وكانت قد التقطت بمساعدة متدربين شباب من أبناء القرية بإشراف المصور الفوتغرافي علاء بدارنة. وعكست الصور الواقع المزري لهذه المباني المهملة، والتي يتهددها الضياع، رغم أنها تجسد تاريخا يعكس التراث المعماري القديم للقرية.
وتسعى الحملة للحفاظ على ما تبقى من مبان قديمة في كفر زيباد، وتوثيق التاريخ الشفوي الذي يتناقله الكبار، ويجهله كثير من أبناء القرية الشباب.
وقال مأمون أحمد رئيس نادي اتحاد كفر زيباد الرياضي "نسعى لتوثيق جزء من تاريخ يرويه كبار السن من أبناء القرية، لنسجل بعضا من تراثنا الذي اندثر، ليتناقله أبناؤنا. وللتأكيد على حرصنا في الحفاظ على ما تبقى من منازل ومبان فإننا نسعى للبحث عن جهات مانحة تهتم في مساعدتنا في ترميمها، وبالتالي الحفاظ على تراث كفر زيباد، الذي هو جزء من تراث فلسطين".
وأوضح فاروق غنايم، رئيس مجلس بلدي كفر زيباد السابق، أن الإهمال الذي تتعرض له البلدة القديمة يهدد بخسران جزء كبير من تاريخ القرية، موضحا أن الأهالي على استعداد لتحويل هذه المباني إذا ما رممت إلى أماكن تخدم المجتمع المحلي.
وعلى هامش المعرض، تم عرض فيلم تلفزيوني من إنتاج شبكة أمين الإعلامية حول التراث المعماري لكفر زيباد وروايات أبناء القرية لتاريخ المباني القديمة التي لاتزال قائمة، والحاجة الملحة لتعميرها حفاظا على تاريخ البلدة القديمة التي اصبح أغلبها مهجورا.
وقد تم توزيع نشرة مطوية من انتاج النادي بالتعاون مع شبكة أمين الإعلامية توثق تاريخ ما بقي من مبان قديمة في القرية وتجمع ذكريات كبار السن من أبناء القرية بهدف توثيق جزء من تاريخ كفر زيباد. وكانت هذه المطوية قد اعدت في إطار مشروع شبكة أمين الإعلامية "أصوات مهمشة تتكاتف: بناء القدرات الإعلامية والتشبيك للمؤسسات المحلية" الممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ضمن برنامج تعزيز مشاركة المجتمع المدني الذي تنفذه الإغاثة الكاثوليكية.
المباني القديمة..
أغلب المباني القديمة المتبقية في كفر زيباد مهجورة حاليا. وكانت مسكونة حتى أوائل السبعينيات من القرن الماضي حيث بدأ السكان بإقامة منازل حديثة حول البلدة القديمة.
من خلال المسح الميداني الذي قام به مركز "رواق" في عام 2000، تم تسجيل 67 مبنى قديماً في القرية، أغلبها مبانٍ متصلة ببعضها البعض مشكلة أحواشا، ووجد 19 مبنى منفرداً. غالبية المباني (65 مبنى) مكونة من طابق واحد (97%)، وهناك مبنيان فقط من طابقين، وهذا يدل إلى حد بعيد على الطبيعة الفلاحية التقليدية للقرية.
أكثر من 80% من المباني مهجورة (54 مبنى)، وفقط 12 مبنى تستخدم بشكل كلي، ما يعطي انطباعاً عن الإهمال الذي تتعرض له هذه المباني، والخطر الذي يمكن أن يهددها بالزوال جراء ذلك. وقد أظهر المسح الميداني أن 20 مبنى بحالة إنشائية جيدة، في حين أن البقيـة حالتها تتراوح بين متوسطة (29 مبنى) وسيئة (16 مبنى). كذلك أظهر المسح أن 29 مبنى بحالة فيزيائية سيئة، أما الباقي فتتراوح حالته الفيزيائية من متوسطة (23 مبنى) إلى جيدة (13 مبنى).
غلب العقد المتقاطع على شكل الأسقف (63 سقفاً)، ووجد سقف واحد من العقد نصف البرميلي، وعشرة أسقف مستوية، 6 منها بدوامر الحديد. لقد عكس شكل السقف نفسه على المظهر الخارجي للبناء، فكانت أغلب الأسطح (63 سطحاً) مفلطحة، وشبه كروية (49 سطحاً)، وثمانية أسطح مستوية.
تعكس أرضيات البيوت الطبيعة الفلاحية التقليدية للقرية، فقد كان أغلبها من المدة (64 أرضية)، فيما وجدت خمس أرضيات من البلاط الأسمنتي الحديث.
المِقعَد:
احتضنت قرية كفر زيباد في جنباتها "المِقعَد" وهو مكان يجهز من أهالي القرية ليتسامر فيه رجال القرية ويتباحثوا في أمور قريتهم ومستجداتها كما تقام فيه مناسباتها، الأفراح والأتراح.. وكان في القرية مِقعَدان (الشرقي والغربي) وكان "المقعد الشرقي" هو الأكثر استخداما لأهالي القرية تقام فيه الأفراح والأتراح حيث يقوم أهل العريس بجمع شجيرات النتش ليتم حرقها من أجل توفير الإضاءة في حفلة العرس. لقد كان "المِقعَد" مجهزا مبلطا بحجارة القصاب وفيه مقاعد حجرية تلف أركانه.
المضافة:
وكان هناك أيضا مضافة مركزية لأهالي القرية جميعا بقرب "المِقعَد" حيث يستقبل أهالي القرية ضيوفهم فيها ينامون ويقدم لهم الطعام والشراب من خلال جلبه من البيوت (الخَروج)، حيث إن عددا من الأهالي يحضر كل منهم طبقا من الطعام ليقدم للضيف. كما استخدمت المضافة كمدرسة لأهالي القرية وكان قد درس فيها الأستاذ محمود السعدي (أبو رؤوف)، وهو من أوائل معلمي القرية.
كانت المضافة تؤدي وظائف كثيرة، فهي تعد بمثابة مكان يجتمع فيه أفراد الحمولة برئاسة رئيسها أو من ينوب عنه، وفيها تحل مشاكل الحمولة وتتخذ القرارات التي يلتزم أبناء الحمولة بتنفيذها. وتعد وسيلة إعلامية مهمة لأفرادها إذ من خلال الالتقاء فيها يتعرفون على أخبار حمائلهم وأخبار الحمائل الأخرى. وفي المناسبات الاجتماعية تستقبل الحمولة ضيوفها من الحمائل والقرى الأخرى في المضافة في مناسبات الأفراح والأتراح، وتقدم لهم الطعام. ومن المضافات التي كانت في القرية مضافة صالح الأحمد غنيم، وفيق السالم، رشيد غنايم، ابو عباس الحسونة، دار ابو ناصر، دار يوسف اعمر، الحاج امين السعدي، القدادمة، ابراهيم الاحمد، ابراهيم صوفان، صادق السالم، دار البحري والخطاطبة ودار البرقاوي.
وقد جدد أهالي القرية المضافة المركزية في تاريخنا الحاضر من خلال إيجاد ديوان البلد الذي تقام فيه أفراح وأتراح أهالي القرية وكذلك اجتماعاتهم، وقد بني على أنقاض المضافة الشرقية.
العلالي:
واشتهرت القرية أيضا بـ"العلالي" وهي جمع "علية"، وهي طابق ثانٍ يشيده الأثرياء كمكان لاستقبال الضيوف، ويمكن اعتبارها بمثابة "مضافة".. ومن أصحاب هذه العلالي (المضافات): عبدالله المحمد، مصطفى المغربي، ابراهيم الاحمد، رشيد ابراهيم غنايم، وفيق السالم، عبدالله صوفان، ابو خرزة، علية السعدي، شاكر المغربي، عبدالرحيم ناصر، ابو العباس.
ولم يبقى في كفر زيباد سوى عدد محدود من هذه العلالي بعد أن تهدمت العديد من المباني القديمة واختفت عن الوجود.
ويروي كبار السن أن المناهضين للاستعمار الانجليزي في ثورة 1936 كانوا يأتون إلى القرية لأنهم يعتبرونها أكثر أمانا لهم وكانوا يتواجدون في مضافة القرية ويلقون الاحترام والتعاون من أهالي القرية وكانوا يستخدمون مضافة (علية) أبو العباس وهي الأكثر ارتفاعا في القرية للمراقبة. وعرف عن زوجة صاحب العلية موقف بطولي، وهي المرحومة سعدة الهلال، التي تسترت على الثوار داخل بئر ماء عندما ضرب الانجليز طوقا محكما على القرية. ومن الشخصيات المعروفة كقائد ثورة في المنطقة هو عارف عبد الرازق.
الراوية:
بيت "الراوية" وهو البيت القروي البسيط من النوع القديم كان يحتوي على غرفة واحدة مكعبة بسيطة في شكلها الخارجي وداخل بيت الراوية في الغالب يقسم إلى جزأين، حيث ثلاثة أرباع البيت يكون مرفوعا وتسكنه العائلة ويسمى المصطبة، بينما الجزء السفلي يستعمل لإيواء الحيوانات.
الفرن:
مبنى الفرن الذي أقيم قبل نحو مئة سنة كي يوفر الخبز لأهالي كفر زيباد مهجور حاليا، وهو آيل للسقوط، وكان يستخدم حتى الستينيات من القرن الماضي. ومن أشهر من عمل فيه ابو فلاح سمور من طولكرم. كانت النساء تأخذ دورا للخبيز، ثم يرسلن العجين الذي يتم تحضيره في البيت لخبزه في الفرن، وكان يعمل على الحطب والقش، وكان لكل قرية فرن خاص بها.