أوراغ رمضان
العلاجُ للأمراض و الإصابات يظل مُختلفا وَ مُتنوعا، و قد تطوّرَ على مد العصور إنطلاقا من المعرفة المُكتسبة و التجربة المُتراكمة لدى الأخصائيين وَ الخبراء في هذا المجال الإنساني الهام – حيث عرف الإنسان منذ القدم طريقة إستعمال الأعشاب وَ ثم تطور الأمر حتى وصل إلى مستوى رفيع من توظيف التكنولوجيا وَ الرقمنة – و لكن في العُمق يظل الطب يستندُ إلى الطبيعة و ما أفرزته من وصفات و طُرق تعتمدُ على الحدس وَ التجربة و حتى الإلهام.
فعبقرية الطبيب تتجسد في مدى قُدرته على توظيف إنجازات العلم و التجربة المُتراكمة للإنسانية في إيجاد حلول ناجعة للمسائل المعقدة التي يلزم معالجتها بطريقة أنجع و أبسط، حيث أبدع العقل العربي على مر التاريخ في هذا المجال من المعرفة و التطبيق الميداني.
حيث توجد في أوكرانيا طاقات و مواهب عربية نفتخرُ بها، و هي التي حقّقت إنجازات مهمة خلال عملها وَ مواظبتها على العمل الدؤوب في العيادات و المُستشفيات المحلية على كل المُستويات، و قد تعرّفنا على شخصية عربية تعمل في مجال الجراحة، و بوجه التحديد في جراحة العظام و هو الدكتور رامي عوض المصري من مدينة خاركوف.
فالدكتور رامي يُوظف تقنيات العلاج بالخلايا الجذعية في مهمته الجراحية من أجل التسريع في عملية الإئتلام الخلوي و الأنسجة و هي عملية حيوية مُواكبة لمهمته الرئيسية و هي الجراحة
و أفاد الدكتور رامي عوض المصري بأنّه على الخبير أن يُوظف كل الطرق و التقنيات التي يراها سليمة و صحية، و التي لا تؤثر على ديناميكية العلاج الأساسي المُعتمدة من طرفه – حيث أنه في هذا الشأن يُمكن الإعتماد على المُستحضرات الطبية أو اللجوء إلى تقنيات أخرى و بما فيها الخلايا الجذعية و له باع مهم في توظيفها بشكل دقيق و مدروس
و أشارَ الدكتور رامي إلى أنه، حتى الأدوية ضمن الصناعة الصيدلية، تعتمدُ أيضا إما، على المُستحضرات الكميائية، أو على المكونات الطبيعية، و التي يُطلق عليها غالبا بالأدوية غير التقليدية. أمّـــا بخصوص الخلايا الجذعية فهي لا تعتمد على الوصف الذي ورد بالنسبة للأدوية، فهي في العُمق مادة طبيعية مُستخرجة من جسم الإنسان نفسه و بشكل أدق: فإنّ الخلايا الجذعية يُمكن إستخلاصها بطريقتين:
- خلايا جذعية مُستخلصة من الجنين؛
- خلايا ذاتية مأخوذة من نفس المريض من منطقتين: الجزء الدهني من الجسم، أو تستخلصُ من النخاع العظمي – و ثم تؤخذ هذه العينات إلى مخبر مُختص من أجل تحفيز هذه الخلايا و تكثيرها، و تستغرق هذه العملية شهرا كاملا.
حيث أنّ الطبيب المُعالج للمريض يأخذ عينة من الجسم، و التي تحتوي عموماً على خمسين ألفا أو تصل هذه الكمية إلى مئة ألف خلية، و ثم في المُختبر يقومون بتحفيزها للتكاثر ليصل عددها إلى خمسة أو عشرة مليون خلية، و حتى يمكن رفع هذا المؤشر ليبلغ مئة مليون خلية كحد أقصى نسبياً.
ورشة ترميم للجسم
و إستدركَ الدكتور رامي في سرده بخصوص هذه التقنية بأنّ الفكرة تتمثل في تقديم وحدة بناء للجسم عند علاج الأمراض الوظيفية، و تشبه هذه العملية الحيوية في الأداء ورشة بناء، حيث يتم إحضار الأسمنت و مواد بناء أخرى لترميم البناية العتيقة مع المحافظة على تصميمها الأصلي فهي عملية ترقيعية لتعويض التلف الذي طرأ في جدرانها أو السقف أو أي مكان آخر من البناية ذاتها
و في هذا السياق أفاد الدكتور رامي بأنّ تقنية الترميم الخلوي و الأنسجة في جسم الإنسان توظف أيضاً في المهمة التجميلية، حيث يقدم إليه زبائن من عدة دول عبر العالم، و من أوروبا بوجه التحديد، لا لشيء إلا لعملية تعرف بتجديد الشباب، و خاصة إذا كان عُمر "المريض" قد تجاوز الخمسين سنة.
و تستندُ هذه الفلسفة الجمالية إلى حقيقة علمية: عندما يتجاوز سن الإنسان عتبة خمس و ثلاثين سنة فإن عملية (الهدم و البناء) في الجسم تبدأ تعمل بطريقة عكسية: بمعنى أنّ عدد عمليات البناء (الإنشاء) للخلايا تصبح أقل من عدد عمليات الهدم عكس ما كان الأمر عليه قبل هذه العتبة.
ففي مرحلة بداية، ما يُعرف بالشيخوخة لدى الإنسان، فإن الوظائف الحيوية تبدأ في التضاؤل و التهافت: على سبيل المثال من أجل الرؤية للعين يلزمُ تفعيل ما لا يقل عن مليار خلية عصبية لنقل الإشارة من جهاز الإلتقاط المرئي (شبكية العين) إلى المخ، و لكن بعد تجاوز هذه العتبة من العُمر فإن عدد هذه الخلايا المُفعلة يبدأ في التاقص مما يؤثر على نوعية الوظيفة ذاتها و هنا تبرز علامة الضبابية و نقص البصر لسبب التقدم في العُمر و هي حالة طبيعية، عدى طبعا حالات المرض أو الإصابات؛ كما يخص ذلك أيضاً الحواس الأخرى منها السمع، و غيرها من الأمور، و حتى أيضاً القدرة البدنية و الإنجابية التكاثرية لدى الرجل أو المرأة على حد سواء – هنا نحن نتكلم عن الوظائف و ليس الأمراض التي تُسببها الإصابات بالفيروسات أو لأسباب أخرى. إذن فإن النقص في الخلايا الوظيفية يُعوَّضُ بالخلايا الجذعية ضمن مهمة الترميم التي ذكرناها سالفاً.
القدرة الإلهية في توزيع الخلايا الجذعية في الجسم
فعى سبيل المثال يقدمُ إلى العيادة مريض لديه مرض السكري، بالأحرى لديها نقص في خلايا (بيتا) التي تفرز الإنسولين في البنكرياس، حيث يقوم الطبيب بأخذ جُرعة من الخلايا الجذعية – حيث تُعطى خلايا غير مُصنفة وظيفيا أو وراثياً، فهي تُشبه إلى حد ما العجينة التي لم يتم خبزها و تحضيرها.
و بخصوص هذه المسألة، فقد وضّح لنا الدكتور رامي عوض المصري آلية توزيع الخلايا الجذعية في الجسم بتدبير من الجسم نفسه بقدرة إلاهية – و هو أن الخلايا الجذعية (الخامة) تُضخ عبر الوريد بالحقنة، و ثمّ يقومُ الجسم نفسه بتوزيعها و توصيلها إلى الأماكن التي يشعر بنقص وظيفي فيها حسب الأولويات: فإذا كانت هناك مشكلة في عضلة القلب فإن الجسم يُرسل جزءا منها إلى هناك، و إذا كانت مشكلة صحية في جدران الأوعية الدموية فيقوم الجسم بنفس المهمة و تصبح المهمة من إختصاص الجسم دون تدخل من الخبير المُعالج للمريض.
و في هذا السياق – هناك إحتمال أن يقدم المريض المُصاب بالسكري إلى العيادة – حسب توضيح الدكتور رامي – ليُعالج و ثم تُقدم له جُرعة من الخلايا الجذعية (عبر الحقنة) أملاَ في علاج السكري و لكن الجسم يقوم بنقل هذه الكمية إلى مكان آخر، هو في أمس الحاجة للعلاج دون أن يدرك ذلك الطبيب – و هي عملية وقائية، و قد يظل المريض يُعاني بالسكري لفترة أخرى، و هذا ما يُفسر عدم تمكن بعض المرضى بالحصول على النتائج المُتوقعة لسبب مهم هو أنه يُعاني من مرض آخر، و لكن لا يدري ذلك، و هناك أولويات يُحددها جسم الإنسان ذاته. و الحقيقة أن المريض الذي يُعاني بالسكري له مضاعفات أخرى أخطر و منها إحتمال كبير في إصابة الأوعية الدموية، حيث أنّ هذا المرض يؤدي إلى تصّلب جدرانها و النتيجة هي التجلطات، السكتات الدماغية. فالمُختصر أن الخلايا الجذعية هي مُكمّل عضوي لوحدة بناء الجسم.
كيفية توظيف الخلايا الجذعية في علاج الكسور
ميدانياً و في مجال الإختصاص أكد لنا الدكتور الجراح رامي عوض المصري بأنه يستعمل الخلايا الجذعية في عملية ترميم العضروف – فكثير من المرضى يُعانون من خشونة الركبة؛ أو التآكل في الغضروف – و لا يوجد لها حل تقليدي إلا عبر توظيف تقنية الخلايا الجذعية.
و من الناحية العلمية الأكاديمية هناك خبراء دافعوا عن أطروحات الدكتوراه في هذا الملف المُرتبط بالعلاج بواسطة الخلايا الجذعية، و هي إجابة صريحة للمعارضين من المُعسكر الآخر، الذين يشكون في فعالية هذه الطريقة و قال الدكتور رامي: "أؤكد بأنها طريقة علمية و لها مُستقبل مهم بخصوص الطب البشري".
فمثلا هناك نوع من الكسور (للعظام) المتآكلة، حيث يصعب وضع جزء على جزء آخر وفقا للهندسة الأصلية لأنه يوجد هناك تفتت للأنسجة، و من أجل ملء تلك الفراغات يلجأ الطبيب إلى تثبيت داخليا تلك الأجزاء بإستعمال التعشيق المعدني من أجل جمع المنظومة بشكل صارم حفاظا على النمو الطبيعي المستقبلي المنتظم، حيث تُملأُ تلك الفجوات بجرعة من الخلايا الجذعية التي ستعمل على إلتئام و إكتمال النقص – فقبل إستعمال الخلايا الجذعية كان الإلتئام يستغرق فترة طويلة تصل إلى سنة أو حتى سنتين، و لكن بفضل هذه الخلايا فإن هذه الفترة تقلّصت إلى ثلاثة أشهر على الأكثر.
المُعارضون للخلايا الجذعية
و ثمّ عُدنا مرة أخرى إلى الإيقاع المُعارض لهكذا توظيف و علاج من طرف بعض المُجتمع، و حتى من بعض الأطباء ذاتهم – أجاب الدكتور رامي عوض المصري بطريقته العلمية المُقنعة بأنه، للأسف الشديد، هناك مقولة معروفة: "الإنسان عدو ما يجهله" و هي ضمن سيكولوجية الإنسان و أدائه النفسي في المُجتمع، مُضيفاً أن جلَّ "الخبراء المُعارضين" يجهلون الكثير من الأمور العلمية الأكاديمية حول الخلايا الجذعية، و يرتبط ذلك بمنطق السوق و المُنافسة لا أكثر.
في هذا الشأن أفاد الدكتور رامي أنه قبل البدء في العلاج يقوم بمُصارحة المريض بآليات العلاج و ما هو إحتمال العلاج و التشافي، بحيث أنّ أخذ جرعة من الخلايا ربما سيؤدي إلى تحسن و ربما سيقوم بتوقيف عملية إنتشار المرض لفترة مُعينة وَ الكل يعتمد على طبيعة المرض وَ كيفية توظيف الجسم ذاته لهذه الخلايا حسب الأولويات كما ذكرنا آنفاً. هناك مثلا أمراض وراثية، فهي "مُبرمجة" في المنظومة الجينية، و يصعب علاجها حتى بتوظيف الخلايا الجذعية بشكل نهائي، و لكن يمكن الإستعانة بها لتعويض الإصابات التي يُسببها المرض مثلا في موضوع تآكل خلايا الجملة العضلية بسبب الوراثة و هي تجربة مرّ بها الدكتور رامي شخصيا: فالداء يقوم بهدم الأنسجة، في حين تقوم الخلايا الجذعية بترميم تلك الإصابات و هلم جرا
حول آليات العلاج و التقنيات المُعتمدة
و كما تطرقنا أيضاً إلى مدى تمكن المنظومة الصحية في العالم العربي لخوض هذا المُعترك بتوظيف الخلايا الحذعية، أفادَ الدكتور رامي، و هو فلسطيني، أنّه قبل أربع أو خمس سنوات تم إفتتاح مخبر في الأردن لإنستخلاص الخلايا الجذعية و قد تم تحقيق نجاح في هذا المضمار، و لكن بتكلفة عالية جدا مُقارنة بالزملاء الأوكرانيين.
و بالمُناسبة تتطرقنا أيضاً إلى تكلفة هذه التقنية في السوق، فقد أفاد الدكتور رامي بأنه عندما تؤخذ العينة من المريض نفسه فإن كُلفة إستخلاص الخلايا الجذعية تظل منخفضة جدا: تدخل في هذه التكلفة مستحقات الطبيب، الذي يأخذ العينة، و كذلك جهود المُختبر الذي يستخلص الخلايا الجذعية، و منه فإن تكاليف هذه العملية تتراوح من خمسمائة إلى ألف دولار لا أكثر.
في حين أنّ الخلايا الجذعية التي تُستخلص من الجنين فهي تظل مرتفعة في السوق لعدة إعتبارات، و خصوصا مُستوى الكمية التي تُستخرج، حيث أن تعداد الخلايا الجذعية التي تُستخلص من مادة الجنين يظل هائلا مُقارنة بعدد الخلايا التي تُستخرج من جسم المريض ذاته. فإذا كان عدد الخلايات الجذعية الذاتية يصل إلى خمسة ملايين، فإن عدد الخلايا الجذعية المُستخلصة من نسيج الجنين مرشح ليصل إلى عدة مليارات وحدة. إضافة إلى أن تقنيات إستخلاصها من الجنين تظل مُعقدة، كما أن هناك أمور أخرى بطابع قانوني وَ تجاري إلى حد ما، حيث أنه – حسب ما ذكر الجراح رامي – تُدفع مستحقات لأهل الجنين (الذي يكون نتيجة الإجهاض) "لأننا نحن نعيش في زمن لا يتم التبرع بدون مقابل بالخلايا". كما أنه يتطلب أن يكون عُمر الجنين لا يتعدى 12 أسبوعاً.
الحقيقة أنني صُدمتُ شخصيا عندما عرفتُ من الدكتور رامي عوض المصري حول موضوع تسويق أنسجة الجنين، و قد وضح لي هذه المسألة إنطلاقا من معرفته الشخصية بالملف. كلما في الأمر أن الأم التي مرت بعملية الإجهاض تملك الحق أن تأخذ الجنين لتدفنه وفقا للطقوس و المعتقدات الدينية و لكن لها الحق أيضا أن "تبيع" الجنين في سوق الخلايا الجذعية عملا بموجب القوانين و الأعراف المُعتمدة، و هي أمور صارمة تخضع للتمحيص و المراقبة من طرف الهيئات و السلطات المعنية، و هناك وثائق تُصدر و تراخيص تُقدّم للمخابر، و لذلك فإن تكلفة الخلايا الجذعية، التي تُسخلص من أنسجة الجنين، تظل جد باهضة لذات الإعتبارات – و يرى الدكتور رامي بأن الجرعة لهذا النوع من الخلايا يُكلف مبلغا و قدره يتراوح من خمسة إلى ستة آلاف دولار.
المهم أن لا تكون هذه الخلايا مُصنفة لا وظيفيا و لا وراثياً، لأنه عندما تمر مدة محددة من الوقت فإن هذه الخلايا ستُصنف وراثياً و حينها يصعب تقديمها لإنسان غريب، لأنه في حال حُقنَ الإنسان بهذا الصنف فإن جهاز المناعة سيُعالجها كفيروس و يقضي عليها، و هذا ما يُفسر الرقم الزمني الذي أوردناه سابقا – 12 أسبوعاً لا أكثر. و كما ذكرنا أن الحقن يكون بطريقتين: الحقن المحلي في مكان الإصابة أو بشكل عام عبر الوريد و الجسم نفسه يقوم بتوزيعها حسب الطلب داخل الجسم و هي قدرة إلهية سبحانه تعالى. و على هذا الأساس، مثلا، في ألمانيا يقومون بعملية جراحية للوصول إلى البنكرياس، حيث يتم تقديم جرعة محلية من الخلايا الجذعية لتعويض نقص خلايا (بيتا) التي تفرز الإنسولين كما ذكرنا سابقا لكي لا يسمحوا للجسم أن يقوم بتوزيعها بمعرفته.
إنجازات الدكتور رامي عوض المصري
و عودة إلى شخص الدكتور رامي عوض المصري عرفنا من جهات مستقلة و غير معنية بأنه يظل الطبيب العربي الوحيد الذي يُدرّسُ مادة إختصاصه في جامعة الطب بمدينة خاركوف و هو إعتراف من السلطات الطبية بكفاءة الرجل الأكاديمية و العملية على السواء.
مواليد 19 ديسمبر 1979 م في نابلس بفلسطين
حيث قدم من الوطن مباشرة إلى مدينة خاركوف لمزاولة الدراسة في عام 1998 م، حيث تخرج بإختصاص جراحة عظام في 2005 م، و ثم إنتقل إلى الولايات المُتحدة الأمريكية ليدرس سنة و ثم يعمل بها بمدينة تكساس ليصقل مواهبه و يتعرف أكثر بإنجازات الزملاء عالميا، و ثم عاد إلى أوكرانيا لمواصلة دربه العلمي و المهني.
له خمسة أبحاث علمية في الإختصاص تم تسجيلها في بريطانيا العظمى، كما قام بتسجيل براءة إختراع مرّتين بطابع دولي، و بذلك جلب إلى أوكرانيا 2500 نقطة (درجة) لتضاف إلى رصيد الدولة الأوكرانية العلمي – و هو رقم قياسي
كما تمّ بتسجيل إختراع من طرف الدكتور رامي لجهاز مُعالجة الكسور (على مسافة طويلة للعظم) دون فتح كبير جراحي لمكان الكسر
المصدر: المركز الإعلامي الأوكراني العربي