كتاب " رحلتي، موجة من بحر جيلي " للكاتب سامي الصعيدي، بداية موفقة لأرشفة تاريخ حركة فتح في الأرض المحتلة، وذراعها الطلابي: حركة الشبيبة الطلابية، وسرد تفاصيل بدء تشكيل الإطار الجماهيري للحركة، حيث جاءت الفكرة أثناء وجوده في السجن، وبعد تحرره عام 1977 بدأ بتنفيذها مع بعض الأخوة والأخوات الذين جمعت بينهم السجون، وتوزعوا بعد تحررهم للدراسة في عدد من الجامعات الفلسطينية. لقد نجحوا في الرهان على الطلبة، من خلال تأطيرهم في أطر نقابية لخدمة قضاياهم الطلابية اولاً، ومن ثم القضية الوطنية.
يسرد الكاتب الصعيدي تفاصيل مهمة لرحلة بداية التأسيس وانتشار الفكرة، والبوح بأسرار ومعلومات جديدة للمرة الأولى، رغم أنني عشت الجزء المتأخر من هذه البدايات، ولكنني لم أعرفها أو اطّلع عليها إلا وأنا أقرأ صفحات الكتاب صفحة صفحة، وقد كنت قريباً من الأخ سامي أثناء وجوده في الأرض المحتلة، وكذلك الأمر أثناء فترة الإبعاد في الخارج، ولم يتح لي سبر غور ذاكرته خلال هذه الفترة الطويلة من العلاقة المميزة والمحترمة بيننا لمعرفة هذه الأسرار الجميلة للبدايات.
شكراً للأخ سامي الصعيدي الذي أضاء لنا شمعة الذكريات، وسلّط الضوء على هذه التجربة الهامة في تاريخ حركة فتح، والحركة الوطنية عموماً، فالتاريخ الذي لا يُكتب يُنسى، ويتم تزويره، واحياناً سرقته، ولعلها فرصة كي يتم وضع الأمور في نصابها الصحيح، ووضع النقاط على الحروف في هذه الرحلة الشاقة، التي لها أبطالها وبطلاتها، وأجمل ما فيها هو سرد أسماء المؤسسين لها وتنوعهم وامتداداتهم الجغرافية، اسماء حفرت تاريخها النضالي بالمهام الصعبة والشاقة، والمعاناة والمطاردة والاعتقال الذي يتلوه اعتقال واعتقال واحياناً إبعاد واستشهاد، دون أن يظهر على وجوههم علامات التعب، أو الملل، أو التردد في مواصلة المشوار الصعب، لم يكن سامي الصعيدي إلاّ واحداً من فريق منسجم ومؤطّر يعملون كخلية النحل، تذوب كلمة الأنا بينهم، وتسود كلمة " نحن "، ولعل ذلك أجمل ما في الكتاب، هي رحلة جماعية، أبطالها كُثُر، ولا بد من إزالة الركام عن هذه الرحلة لترى النور، وهذا ما يفعله سامي في رحلته، والتي قد تكون فرصة ليبدأ أخوة آخرون بالكتابة عن محطات أخرى في هذه الرحلة.
المهم هو تعليق الجرس، فهذه التجربة ليست بعاقر، فلها أب ولها أم، ولها قيادات وازنة، قد لا تكون أخذت دورها في بناء السلطة الوطنية، أو لم تُعطى المجال لكي تأخذ دورها، أو تعمّد البعض لإزاحتها من المشهد العام لغايات في نفس يعقوب، أو أن بعض أبطال هذه الرحلة لا يُحبون الظهور والاستعراض، وما زالوا يؤمنون بسياسة الكتمان والسرية في العمل، أو أنهم لا يرغبون بالتسابق على نيل الغنائم والمكاسب.
أنصح بقراءة الكتاب، وأدعو أبناء التجربة الأحياء إلى البدء بالكتابة، وتوثيق تجربة البناء التنظيمي لحركة فتح في الأرض المحتلة، ليس لشيئ إلاّ لحفظ التاريخ وتوثيقه، والاعتزاز به، والبناء عليه.
اعترف أنّ الكتاب شدّني، وأعادني إلى أجمل أيام حياتي، عندما التحقت بهذا الركب من المناضلين الأوفياء، غير آبهٍ بالوقت، أو التعب، أو حجم التضحيات، أو العقوبات التي قد تُفرض علي، كنت اسبح في هذا البحر دون أن أخشى الأمواج كما فعل سامي الصعيدي، شكراً لك لأنك اضأت كل شيئ جميل في ذاكرتي أيها المناضل والمثقف والصديق.
تيسير نصر الله