دير البلح - هاني الشاعر - صفا
بشغفٍ ولهفة من بين جموع المهنئين، سارعت "أمينة" تركض بثوبها الفلسطيني المُطرز، لتُعانق خطيبها المحرر حسين الزريعي وتتبادل معه دبل الخطوبة، بعد أن نذرت على نفسها أن تلبسه إياها فور تحرره أمام المهنئين، لتنهي سنوات عجاف من عمرها وهي تنتظر هذه اللحظات السعيدة.
الفتاة أمينة الزريعي ارتبطت بخطيبها الأسير المحرر حسين الزريعي منذ سنوات، وعقدت قرانها دون حضوره، ولم تحيي وقتها أي مظهر للفرح، وبقيت على أمل أن تلتقي به، ويفرحا سويًا بخطوبتهما.
ومع اقتراب إفراج الاحتلال عن الأسير الزريعي والذي قضى 19 عامًا في السجون، أسرعت "أمينة" لتحضير ما يلزم للاحتفال بالخطوبة مع بطلها الذي غاب عنها "طويًلا" لكن- وفق قولها- "لم يغب عنها للحظة"، وكانت متيقنة بأنه سيعود لها حاملًا الورود فرحًا.
وأصرت أمينة أن تحول يوم تحرره لفرحتان، فرحة التحرر وفرحة ارتباطهما في يوم لقائهما الأول، مغلقة أيامًا طويلة من الشوق والفراق.
ويتجهز الأسير وخطيبته فور الانتهاء من استقبال المُهنئين بتحرره، لإتمام الترتيبات لعقد زفافهما في أقرب وقت ممكن نظرًا لتراجع كبير في صحة والدته المريضة بأمراض مزمنة.
وارتقى والد الأسير الزريعي في مارس/آذار عام 2002، بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل أن تنسحب من مستوطنة "كفار دروم"، فيما اعتقل في ديسمبر من ذات العام، وتم تدمير منزله بالكامل حينها، وحُرم من رؤية والدته طيلة فترة اعتقاله.
ويقول المحرر لمراسل "صفا": "ارتبطت بخطيبتي منذ سنوات، حتى أتزوج فورًا بعد التحرر، لتعويض سنوات الحرمان من الأهل والزوجة وتكوين أسرة، فأنا مثل أي إنسان يطمح في أن يكمل نصف دينه ويكون أسرة مستقرة".
استقبال حافل
ويضيف "سعيد جدًا عندما رأيت أمي وخطيبتي وأهلي وأبناء شعبي الذين كانوا في انتظاري، فكان استقبالي مهيبًا".
ويتابع الزريعي "فرحتي اكتملت عندما رأيت شعبي وتنفست هواءً حرًا، وعدت بالبهجة لأمي وخطيبتي المكلومتين، وكنت أتمنى لو أن أبي كان على قيد الحياة، لكنه استشهد على طريق الحرية والعيش بكرامة، التي من أجلهما اعتقلت".
وحوًل المحرر الزريعي سنوات سجنه من محنة إلى منحة، فقد أنهى دراسة الماجستير في "الدراسات الإقليمية والإسرائيلية" من جامعة أبو ديس؛ ودرس في الجامعة العبرية.
ويؤكد في حديثه لمراسل "صفا" أن ما قضاه من حكم يعتبر جزءًا قليلاً أمام من يقضون أحكامًا عالية "ككريم يونس، وأحمد سعدات، ونائل البرغوثي"، وهي جزء من حلقات المعاناة التي يعيشها آلاف الأسرى.
وتطرق خلال حديثه لمعاناة الأسرى، فقال: "الأسرى ينشدون الوحدة، كونها السبيل لتحررهم بجانب الفعل المقاوم؛ كما أنهم يعانون الحرمان والاعتداءات والإهمال الطبي والتنقلات والتعسفية؛ فيما سن قانون من أخطر القوانين مؤخرًا يتيح للقوات الخاصة في الجيش بدخول السجون، وهو بمثابة شرعنة للقتل".
ويتابع الزريعي "السجون عنوان المعاناة والعذاب والحرمان والقتل البطيء، وهي وسيلة إسرائيلية وجدت لكسر الإرادة الفلسطينية، والضغط على شعبنا بمحاولة لوقف نضاله ومسيرة تحرره".
ويشدد "ما حدث هو عكس ذلك، فقد تحولت تلك المعتقلات لمدارس وأكاديميات وجامعات، لتعليم النضال والصبر والصمود، وحتمًا إنا لمنتصرون".
روح مأسورة
أما أمينة خطيبة المحرر الزريعي، والتي تزينت بالثوب الفلسطيني لاستقبال المُهنئين- فهي وفق وصفها- تشعر وكأنها هي التي تحررت، قائلة "جسدي كان خارج السجن وروحي كانت مأسورة..!".
وتضيف "كانت الفرحة فرحتين بتحرره ولقائه، فلم أفرح يوم كتب كتابي لغيابه، أنا فعلاً شعرت نفسي أنني عروس، أنتظر هذا اليوم طويلاً؛ لا أستطيع وصف ما أشعر به من فرحة".
وبكلمات عفوية، قالت "أي أسير في سجون الاحتلال، يستحق أي بنت إنها تنتظره".
وتعبر عن فخرها بارتباطها بأسير داخل السجن "مهما كان محكوميته".
وتضيف "هم ضحوا من أعمارهم وحياتهم، حتى نعيش بأمان، ونحن لا بد أن نضحي بكل شيء لأجلهم، ومهما ضحينا لن نضحي بجزء مما ضحوه؛ لذلك أصريت أن ألبسه الدبلة فور تحرره، لتعويض الفرحة التي حرم منها".