يمكن أن يؤدي استهلاك غرامات إضافية من الملح يوميا إلى ضرر صحي بالغ يصل إلى حد تدمير الأوعية الدموية وزيادة خطر الإصابة بعدد من الأمراض.
في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" (lefigaro) الفرنسية، تقول الكاتبة سيسيل تيبير إن الإفراط في تناول الملح مضر بالصحة تماما مثل السكر والدهون، لذلك يوصي الأطباء بانتظام بضرورة التقليل منه قدر الإمكان.
ويعد الصوديوم الموجود في الملح ضروريا للجسم، لكن الاستهلاك المفرط يرتبط بارتفاع ضغط الدم ويزيد احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ولا يرتبط ذلك بكبار السن فقط بل يشمل جميع الأعمار.
كيف يسبب الملح ضغط الدم؟
هناك 3 مقصورات أو حجرات سائلة في أجسامنا: البلازما (الموجودة في الأوعية الدموية)، وحجرة خارج الخلايا، وحجرة داخل الخلايا.
يعمل الجسم على موازنة كمية الماء والعناصر الغذائية بين هذه الحجرات، حيث يحدث الامتصاص والتخلص من الماء والمعادن على حدودها.
تنتقل جزيئات الماء من المناطق ذات الكثافة المائية المرتفعة إلى المناطق ذات الكثافة المنخفضة، وهو ما يُعرف فيزيائيا بـ"التناضح"، لذلك عندما تتناول 3 شرائح من النقانق، وحفنة من البسكويت المالح وقطعة من البيتزا، فإن تركيز الملح في الحجرة خارج الخلية سيزداد حتما.
لتخفيف كمية الصوديوم والعودة إلى حالة التوازن، ينتقل الماء من داخل الخلايا إلى الحجرة خارج الخلية، وبالتالي يتدفق الماء إلى الأوعية الدموية.
بهذه الطريقة، يزداد حجم دمنا، مما يؤدي إلى حدوث تغيير في النتاج القلبي (معدل ضربات القلب × حجم الدم الذي يتم ضخه) وزيادة الضغط الذي يمارسه الدم على جدران الأوعية.
وفقا للبروفيسور إريك بروكيرت، رئيس قسم الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية في مستشفى بيتيي- سالبيتريير في باريس "هذا التأثير مهم جدا إذا كنت تعاني من ارتفاع ضغط الدم. في المقابل، يساعد التقليل من تناول الملح على خفض ضغط الدم، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم".
يوضح الدكتور محمد باريغو، أخصائي الغدد الصماء والمشرف على الاستشارات الغذائية بمركز المستشفى الجامعي فودوا في لوزان بسويسرا، أنه "عندما يزداد حجم الدم بعد تناول الصوديوم، يحاول الجسم مقاومة زيادة الضغط من خلال 3 آليات أساسية. يتعلق الأمر بتوسيع الأوعية، وهو قدرة الأوعية الدموية على التمدد لخفض ضغط الدم، وقدرة الكلى على إفراز الماء والصوديوم بنشاط، وأخيرا دور نظام "الرينين- أنجيوتنسين"، وهو نظام هرموني يلعب دورا رئيسيا في تنظيم ضغط الدم".
لكن بسبب الإفراط في استهلاك الملح على مدى سنوات، تفقد هذه الآلية كفاءتها، ويؤكد الدكتور باريغو في هذا السياق "إذا أصبحنا في يوم من الأيام نعاني من ارتفاع ضغط الدم، فذلك لأن كل هذه الآليات قد فشلت".
ويضيف "في هذه الحالة، تزيل الكلى الصوديوم بكفاءة أقل، وتفقد قدرتها على التخلص منه بالشكل الأمثل. كما يفقد جدار الأوعية الدموية -التي من المفترض أن تحتوي الضغط الزائد- مرونتها وتصبح أكثر صلابة".
تأثير الملح على الأوعية
من خلال التسبب في ارتفاع ضغط الدم، يصبح الإفراط في تناول الملح أحد أبرز العوامل التي تؤدي إلى مشاكل في الشرايين، ويوضح الدكتور باريغو أن "ارتفاع ضغط الدم يضر بالأوعية الدموية يوميا، وهو عامل خطر رئيسي يزيد احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لأنه يعزز تصلب الشرايين (مرض الشرايين المزمن الذي يتميز بترسب الدهون في الشرايين)".
يؤدي تصلب الشرايين وتقلص حجمها، إلى جانب ظهور لويحات تتسبب في تضييقها (وهي عبارة عن ترسبات دهنية على مستوى جدران الأوعية الدموية)، إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية (احتشاء عضلة القلب والسكتة الدماغية)، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد.
ويقول الدكتور باريغو في هذا السياق "يمكن لارتفاع ضغط الدم أن يلحق الضرر أيضًا بأعضاء أخرى، مثل الكلى وشبكية العين".
تظهر هذه الآثار تدريجيا بعد عقود من استهلاك الملح، ويوضح باريغو أن "بعض الأشخاص يستغرقون وقتا أطول للتخلص من الصوديوم، ولا يتمكنون من التخلص منه تماما، ويحافظون بشكل دائم على درجة من ارتفاع ضغط الدم الشرياني، ويُعبّر عن ذلك بحساسية الملح".
منظمة الصحة العالمية والملح
وتقول منظمة الصحة العالمية إن "معظم الناس يفرطون في استهلاك الملح بمتوسط 9-12 غراما يوميا، أو حوالي ضِعف مستوى المدخول الأقصى الموصى به".
وتؤكد أنه يساعد تناول أقل من 5 غرامات من الملح يوميا للبالغين على خفض ضغط الدم والحدّ من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية والنوبات القلبية التاجية. والفائدة الرئيسية لتقليل مدخول الملح هي خفض ضغط الدم في المقابل.
دراسات تؤكد أضرار الملح
أظهرت دراسة نُشرت مؤخرا في مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين" أن تقليل استهلاك الملح بنسبة 25% يمكن أن يخفض بشكل كبير من احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة لدى الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو الذين أصيبوا في وقت سابق بسكتة دماغية.
أجريت هذه الدراسة في الصين على نحو 20 ألف شخص خضعوا للمتابعة لمدة 5 سنوات، وقد قللوا استهلاك الملح عن طريق استخدام بديل يحتوي على كمية أقل من الصوديوم ومزيد من البوتاسيوم.
وأظهرت دراسة أخرى نُشرت بالمجلة ذاتها في 20 يناير/كانون الثاني، أنه كلما زاد تناول الملح ارتفع خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية.
ويؤكد الدكتور باريغو أن "ارتفاع ضغط الدم يؤثر على واحد من كل 5 أشخاص. لذلك من الضروري الحرص على تناول الأطباق المنزلية الغنية بالفواكه والخضروات، بدلا من الأطعمة المصنعة التي غالبا ما تكون غنية بالملح، حيث يستهلك معظم الأشخاص من 9 إلى 12 غراما من الملح يوميا، أي ضعف الحد الأقصى المسموح بها للبالغين".
وحسب الكاتبة، فإن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم المعتدل، يحتاجون إلى الحد من تناول الملح لتقليل خطر تفاقم المرض.
لكن الدكتور باريغو يؤكد أنه "في الغالبية العظمى من حالات ارتفاع ضغط الدم، نحتاج إلى علاج دوائي مواز، بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي صحي".
وخلافا للاعتقاد الشائع، يؤكد البروفيسور بروكيرت أن تقليل تناول الملح ليس نصيحة طبية خاصة بكبار السن فقط، ويقول "الناس ككل يستهلكون كميات من الملح تفوق بكثير الكميات الموصى بها، لذلك يجب تناول كميات أقل، مهما كان العمر".