نابلس - أحمد البيتاوي - وكالة سند للأنباء
أربعون دقيقة، ولمرة واحدة كل شهر، زيارة يراها وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، كثيرة على أهالي الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ليقرر تقليصها لمرة واحدة كل شهرين، إمعانًا في سياسته المتطرفة والعنصرية بحق الأسرى.
ومع مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن "ابن غفير" أوعز بتقليص زيارات عائلات الأسرى الفلسطينيين من الضفة الغربية في السجون من مرة كل شهر إلى مرة كل شهرين، ابتداءً من يوم الأحد الماضي.
ورغم عدم وجود إجماع داخل الحكومة الإسرائيلية على هذه الخطوة، غير أن الأسرى أبلغوا إدارة مصلحة السجون بأن تطبيق هذا القرار يعني دخولهم في إضراب جماعي مفتوح عن الطعام، الأمر الذي من شأنه إشعال الأوضاع المشتعلة أصلاً خارج السجون.
إقرأ أيضاً
"ابن غفير" يُوعز ببدء تطبيق قرار تقليص الزيارات العائلية للأسرى
وتعد زيارة أهالي الأسرى لأبنائهم مرة كل شهر، إحدى المسلمات والخطوط الحمراء التي يرفض الأسرى المساس بها أو تقليصها، رغم ما يتخللها من معاناة ومعيقات إضافة لقصر مدتها، إلا أنها حق انتزعه الأسرى بعد نضال طويل استمر عقودًا، تخللتها إضرابات مفتوحة عن الطعام، قدمت خلالها الحركة الأسيرة الشهداء.
قرار المتطرف "ابن غفير" تقليص عدد زيارات الأهالي، سبقته قرارات أخرى للتضييق على الأسرى، شملت حرمانهم من الخبز والطعام الطازج والكثير من الحقوق المتواضعة، إضافة لنيته إصدار قرارات أخرى في المستقبل القريب.
الزيارة.. شحنة شهرية
توجُه "ابن غفير" لتقليص عدد الزيارات، لم ينعكس على الأسرى وحدهم، بل امتد لأهاليهم أيضًا الذين عبروا عن رفضهم لهذه الخطوة، وحذروا من تبعاتها.
عائلة الأسير محمد خضير من نابلس، تعبّر عن قلقها من الأمر، قائلةً: "لا يمكن لأحد أن يشعر بأهمية زيارة الأسير إلا من عايشوا مرارة الاعتقال والسجن، فالزيارة بالنسبة للأهل والأسير شريان حياة وخط اتصال دافئ رغم كل ما يتخلله من عقبات".
وتشير العائلة في حديثها لـ "وكالة سند للأنباء"، إلى أهمية الزيارة بالنسبة للأسير، حيث لا تقتصر على الجانب المعنوي، فهي أيضًا مهمة على الجانب المادي، فمن خلالها يمكن استلام بعض الحاجيات الأساسية كالملابس وغيرها، إضافة لأموال الكانتينا التي يستطيع من خلالها شراء الكثير من النواقص.
وعن مشاعر أفراد العائلة عن زيارة "محمد" في السجن، يخبرونا: "نلمس في كل زيارة مدى الفرحة ودرجة اللهفة في عيون محمد حال بقية الأسرى، وكل المعاناة التي يتخللها مشوار الزيارة، تنتهي بمجرد الجلوس العائلة أمام الأسير".
وتذكر العائلة: "هناك معاناة تسبق الزيارة تتمثل في انتظار الحصول على تصريح ومنع الأهل من الزيارة تحت مبررات وحجج واهية كعدم وجود صلة قرابة مع المعتقل، إضافة لذلك هناك معاناة خلال الزيارة كطول المسافة بين مكان سكن الأسير والسجن الذي يقبع به، وهذا يعني السفر عدة ساعات".
ويتعرض الأهالي للتفتيش والانتظار لساعات على كل حاجز إسرائيلي يمرون به، هذا عدا عن التفتيش الدقيق وربما العاري في بعض الحالات عند الوصول للسجن، وهو الأمر الذي يتساوى فيه كبار السن والأطفال والأمهات، تبعًا لحديث العائلة.
وبعد مشقة الطريق للسجن وممارسات الاحتلال العنصرية بحق عائلات الأسرى، يصلون لغرفة الزيارة التي تفتقد لأي نوع من التواصل الجسدي بين المعتقل وذويه، حيث يفصل بينهما جدار زجاجي سميك، ويتحدثون من خلال هاتف أرضي، غالباً ما يتعرض للتشويش.
وتتابع عائلة الأسير خضير الموقوف في سجن مجدو منذ 3 أعوام: "تضع سماعة الهاتف على أذن ويدك على الأذن الأخرى حتى تستطيع السماع بسبب الضجة، وبمجرد انتهاء الـ40 دقيقة، مدة الزيارة، يُقطع الاتصال بشكل آلي، وبعدها يتم إخراج الأسير على عجل من قبل حراس السجن".
الزيارة.. دليل حياة
من ناحيته، يقول الأسير المحرر عمار أسعد الذي أمضى أكثر 14 عاماً في سجون الاحتلال:"زيارة الأهل بالنسبة للاسير مهمة، ومهمة أكثر في السجون التي لا يوجد فيها إتصالات سواء تلك التي تتم من خلال الهواتف التابعة لمصلحة السجون أو تلك التي يهربها الأسرى".
ويضيف "أسعد" حديثه لمراسل "وكالة سند للأنباء أن "زيارة الأهل هي الطريقة الوحيدة التي من خلالها يستطيع الاسير التواصل مع العالم الخارجي".
ويتابع: "من خلالها يعرف الأسير ما الذي يجري خارج المعتقل سواء على المستوى العائلي أو على مستوى المنطقة التي يعيش فيها، خاصة إذا كان متزوجاً ولديه مسؤوليات عديدة".
ويلفت إلى أن زيارة الأهل بالنسبة للمعتقل رسالة معنوية مفادها أنه لا يزال على قيد الحياة، ودونها فإن حال الأسير كالذي يعيش خارج الزمان في مقبرة أحياء، ومن يحظى بزيارة أهله يكون بانتظارها بفارغ الصبر، ساعة بساعة، ويتجهز لها قبل عدة أيام".
ويصف حال الأسير بانتظار زيارة أهله: "في يوم الزيارة يصحو الأسير باكراً، يكوي ملابسه، يستحم ويحلق شعره ولحيته ويتعطر وكأنه في صباح يوم العيد، أو يوم الإفراج، الفرحة حقيقية يمكن أن تراها في عيون الأسرى بعد الزيارة".
ويكمل: "قبل عام 2010 كان مسموحاً للأسير بإخراج السكاكر والهدايا لذويه خلال الزيارة بعد شرائها من كانتينا السجن، هذه الهدايا كان الأسير يجتهد بتجهيزها قبل الزيارة بأسبوع لإفراح الأهل وطمأنتهم".
ويرى "أسعد" أن توجه حكومة الاحتلال من خلال ما يسمى وزير الأمن القومي "بن غفير" لتقليص عدد الزيارات لتصبح كل شهرين مرة، سيؤدي لمواجهة واسعة داخل وخارج السجون، ولن يقبل الأسرى بتمريره وسيواجهونه بكل قوة.
ويختم بالقول: "الأسير يعتبر الزيارة نافذته للحياة، والرئة التي يتنفس من خلالها هواء الحرية ولو بشكل مؤقت لا يزيد عن 40 دقيقة".
ومن المفترض أن يشمل قرار "بن غفير" حوالي 1600 أسير، من أصل حوالي 5 آلاف أسير، وفق صحيفة "يديعوت أحرنوت"، مشيرة إلى أن "ابن غفير" اتخذ القرار دون تنسيق مناسب مع الأجهزة الأمنية، ورغم معارضة مفوضة مصلحة السجون كيثي بيري، التي حذرته من العواقب.
وبحسب الصحيفة، فإن مصلحة السجون تعتبر هذا القرار غير مسؤول، وتطالب مجلس الوزراء بإجراء نقاش حول أي تغيير في ظروف السجناء الأمنيين الذين يتمتعون بمكانة خاصة ومؤثرة في الشارع الفلسطيني، ويعتبرون قضيتهم ذات حساسية كبيرة في الوسط الفلسطيني.