خلال حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة منذ نحو شهرين، يواصل جيش الاحتلال استهداف المدنيين. وفي مجزرة جديدة، طال القصف الإسرائيلي هذه المرة مستشفى الشهيد كمال عدوان، ما أسفر عن سقوط 108 شهداء وعشرات الجرحى.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية ذكرت أن قوات الاحتلال تحاصر المستشفى بالدبابات والقناصة الذين يطلقون النار على كل من يتحرك، معربةً عن تخوفها من مجزرةٍ أكبر داخل مستشفى كمال عدوان، كما حدث في مستشفى الشفاء والإندونيسي.
من هو كمال عدوان الذي أُطلق اسمه على المستشفى؟
لم يكن كمال عدوان رجلاً عادياً في تاريخ المقاومة الفلسطينية، بل على العكس من ذلك. فقد آمن بالعمل المسلّح الفدائي الذي دفعه إلى تأسيس خليّةٍ مستقلة، شكّلت النواة الأولى لما سيُعرف فيما بعد باسم "حركة فتح".
وطوال مسيرته النضالية، حقق عدوان إنجازاتٍ كبيرة لإعلام حركة فتح خصوصاً، من خلال تركيزه على تطوير عمل الإذاعة الفلسطينية، إضافةً إلى تطوير الاتصالات والعلاقات الخارجية، إيماناً منه بأن الصوت الفلسطيني يجب أن يصل إلى العالم.
بعدما اختارته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لتسلُّم مكتب الإعلام، صبّ كمال عدوان اهتمامه على البحث عن كل طاقة ثورية، واستقطب أبرز الصحفيين ورواد الكلمة -العرب والأجانب- وسخّرهم من أجل خدمة القضية الفلسطينية.
فمن هو كمال عدوان؟
وُلد عام 1935 في قرية بربرة القريبة من مدينة عسقلان. وخلال نكبة 1948، لجأت عائلته إلى قطاع غزة فأقامت في رفح مدة 6 أشهر، ثم فضّل والده الانتقال إلى غزة حيث عاش فيها حتى وفاته عام 1952.
درس كمال عدوان الابتدائية في مدرسة بربرة، لكنه أكمل دراسته الإعدادية في مدرسة الرمال التابعة لوكالة "غوث" للاجئين، ثم انتقل إلى مدرسة الإمام الشافعي الثانوية، قبل أن يقرر مغادرة غزة إلى القاهرة.
التحق بجامعة القاهرة عام 1955، حيث دخل كلية الهندسة تخصُّص بترول ومعادن، لكنه ترك مصر بعد سنتين من دراسته مهندساً للبترول بسبب الظرف المالي الصعب، وغادر إلى السعودية حيث عمل مهندساً متدرباً في حقل البترول مع شركة أرامكو – الدمام.
قبل ذلك، كان عدوان قد انتسب إلى تنظيم الإخوان المسلمين ثم تركه عام 1954 بعد أن بدأ يؤمن بالعمل المسلح، ونشأت لديه فكرة تأسيس خليّة مستقلة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
وبالفعل، قبل خروجه من غزة إلى مصر، كان كمال عدوان قد أسس مجموعة نشطة مقاومة لعدوان 1956، ضمّت 12 شاباً معظمهم كانوا في تنظيم الإخوان، وقد شكلت هذه المجموعة فيما بعدُ النواة الأولى لحركة فتح.
في تلك الفترة، كانت دائرة عدوان قد توسّعت، فتعرّف إلى أبو جهاد وأبو عمار وأبو يوسف النجار، وغيرهم؛ سيكونون جميعهم مؤسّسي حركة فتح في حدود العام 1959، حين بدأ ياسر عرفات وأبو جهاد بنشر جريدة "فلسطيننا" في الكويت.
كان عدوان من أول مؤسسي تنظيم حركة فتح في السعودية، وانتقل بعدها إلى قطر حيث قاد التنظيم، إلى جانب محمود عباس. قد عاد في ذلك الوقت إلى الدراسة، فتخرّج في جامعة القاهرة مهندساً بترولياً عام 1963، وتنقّل لاحقاً بين السعودية وقطر.
عززت معركة الكرامة في الأراضي الأردنية عام 1968، مكانة حركة فتح في الشارعين الفلسطيني والعربي، فقد اكتسبت المعركة أبعاداً أسطورية بعد تفوق الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني على قوات الاحتلال وهزيمتها.
ويمكن القول إن هذه المعركة شكلت تحولاً حاسماً في المقاومة الفلسطينية لسنواتٍ لاحقة، وكانت سبباً لانضمام آلاف الشباب الفلسطيني والعربي إلى صفوف المقاومة المسلحة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.
مسؤول الإعلام في حركة فتح
بعد معركة الكرامة، حدث نوعٌ من التغيير في أفكار وسلوكية حركة فتح، خاصةً أن الإعلام بدأ يأخذ منحاه ودوره الكبير جداً في تلك الفترة. وفي العام 1968، اختارت القيادة الفلسطينية كمال عدوان لاستلام مكتب الإعلام في منظمة التحرير.
كان لكمال دور طليعي في إرساء مبادئ حركة فتح، وشارك في المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته الأولى في القدس عام 1964، وقد ترك عمله في قطر عام 1968، متفرغاً لمسؤولية الإعلام التي أوكلت إليه، فاتخذ من عمان مقراً له واستطاع أن يقيم جهازاً إعلامياً متطوراً.
نظم عدوان عمل الإعلام الفلسطيني ورتبه، وحقق إنجازاتٍ كبيرة في هذا المجال. واستطاع بجهوده أن يقيم جهازاً إعلامياً فلسطينياً من الطراز الرفيع، وأن يقيم علاقاتٍ عربية ودولية معتبرة.
بعد أحداث أيلول الأسود، انتقل كمال عدوان إلى دمشق وبيروت، حيث عمل على إعادة بناء جهاز الإعلام التابع لحركة فتح، وشارك في تأسيس وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، كما انتُخب عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح عام 1971.
أوكلت إليه في تلك الفترة مسؤولية القطاع الغربي بالأراضي المحتلة، وكانت مهمة صعبة، لأنه كان مسؤولاً عن الأنشطة السياسية والعسكرية، إلى جانب مهمته الإعلامية. وفي الحقيقة، نجح عدوان في هذه المهمة نجاحاً منقطع النظير.