تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في السينما
معاذ محمود أسمر
يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في صناعة الأفلام السينمائية من خلال محاكاة الذكاء البشري وتعزيز الرسوم المتحركة والمؤثرات البصرية والسماح لصانعي الأفلام بتخصيص سرد القصص حسب تفضيلات الجمهور. كما يفتح هذا الاختراق التكنولوجي إبداعاً وابتكاراً غير مسبوق مما يمهد الطريق لمستقبل جديد، كما تُمكن هذه الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي صانعي الأفلام من إنشاء شخصيات واقعية وسيناريوهات معقدة، إن دمج الذكاء الاصطناعي في السينما لديه القدرة على إحداث ثورة في تجارب وتفاعلات الأفلام.
تقول بعض الدراسات أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث ثورة في جوانب مختلفة من صناعة الأفلام مثل تحسين الرسوم المتحركة والمؤثرات البصرية لتوفير تجارب سينمائية شخصية للمشاهدين.
أرى أن هذه هي المجالات الرئيسية التي يتم فيها الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام:
1. تعزيز الرسوم المتحركة والمؤثرات البصرية: يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير تقنيات الرسوم المتحركة والمؤثرات البصرية الجديدة التي يمكن أن تخلق تجارب أكثر واقعية وغامرة للجماهير، من خلال الاستفادة من خوارزميات التعلم الآلي ويمكن لصانعي الأفلام إنشاء صور واقعية وإنشاء بيئات رقمية معقدة ومحاكاة ظواهر العالم الحقيقي بدقة وكفاءة أكبر.
حيث استخدم فريق الرسوم المتحركة في فيلم “Lion King 2019” تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة لإنشاء صور مذهلة وواقعية للغاية للبيئات الطبيعية والحياة الحيوانية، من خلال استخدام أدوات وبرامج الذكاء الاصطناعي المتطورة، كما لاحظت تغير كبير في الشخصيات التقليدية من ناحية الرسوم المتحركة والألوان الزاهية المستخدمة في الأجزاء السابقة للفيلم، يهدف هذا التطور في الرسوم والألوان إلى جذب جمهور أوسع وتوفير تجربة مشاهدة مشوقة أكثر.
2. تحليل السيناريو المستند إلى البيانات: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات المتعلقة بسلوك الجمهور والتفضيلات لإثراء عملية صنع القرار فيما يتعلق بالسيناريوهات والقصص، من خلال تحليل الأنماط والاتجاهات في سلوك المشاهد ويمكن لصانعي الأفلام إنشاء محتوى من المرجح أن يكون له صدى لدى جمهورهم المستهدف، وبالتالي تحسين النجاح العام للأفلام.
ففي دراسة أجرتها” Angana Datta” حول تحديات صانعي الأفلام تم استخدم شبكة عصبية متكررة وبنية الذاكرة على المدى القصير لإستكشاف سيناريو الفيلم في عالم الخيال العلمي، وأظهر النموذج القدرة على إنشاء فقرات وجمل متماسكة وأظهر قدرته على تعزيز عملية كتابة السيناريو. مع وجود بعض المشاكل في السيناريوهات الناتجة من خلال الذكاء الاصطناعي يمكن لكل من يكتب السيناريو "البشريين" التعاون مع الذكاء الاصطناعي والاستفادة من قدراته لإلهام الأفكار الجديدة وتحسين سرد القصص وإنشاء شراكة قابلة للتطبيق بين البشر والذكاء الاصطناعي.
3. توفير تجارب سينمائية جديدة: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي أن يخلق تجارب سينمائية مبتكرة مثل أفلام الواقع الافتراضي والأفلام التفاعلية التي تجذب المشاهدين بطرق جديدة وغامرة. من خلال الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي ويمكن لصانعي الأفلام إنشاء روايات ديناميكية وقابلة للتكيف تستجيب لأفعال المشاهدين وتفضيلاتهم.
استخدم فيلم “Bandersnatch 2018”الذكاء الاصطناعي لتعزيز مشاركة المشاهد في السرد ولكتابة خيارات المستخدمين والتفاعل معها. حيث يسمح الفيلم للمشاهدين باتخاذ خيارات تؤثر على تقدم الحبكة من خلال الاستفادة من قدرات الخوارزميات التفاعلية باستخدام الذكاء الاصطناعي ويتم توجيه القصة وتشكيلها وفقا لقرارات المشاهد. يسمح هذا النهج المبتكر لرواية القصص بعلاقة أكثر جاذبية وتفاعلية بين الجمهور والسرد ويتحدى هذا النهج المبتكر السرد التقليدي للنتائج الثابتة.
4. تحسين التخطيط والتسويق للأفلام: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل سلوك الجمهور وتفضيلاته وتمكين استراتيجيات الإعلان المستهدفة والتنبؤ بأداء الأفلام لهذا العام ودارسة ماذا سيفضل الجمهور أي نوع من الأفلام في العام القادم. هذه الدراسات القائمة على البيانات تزيد من فرص نجاح القصة ونجاح الفيلم ويمكن تحليل اتجاهات التخطيط الإعلامي لتحديد أوقات إطلاق الإعلانات المناسبة وزيادة الوصول والمشاركة.
استفادت شركة “Warner Bros”من أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل تفضيلات الجمهور وعادات المشاهدة لتحسين استراتيجيات التسويق والإعلان. تسمح هذه الدراسات القائمة على البيانات لشركات الأفلام بتصميم إستراتيجيات التسويق والإنتاج الخاصة بها لتتماشى بشكل أفضل مع الجمهور المستهدف. كما يساعد تحليل البيانات التاريخية من الإنتاجات السينمائية السابقة إلى تسهيل التنبؤ بأداء الأفلام في المستقبل، كما يوفر رؤية قيمة لإتخاذ القرار الإستراتيجي في الإنتاج والتسويق، كما يمكن مساعدة المتخصصين في هذا المجال على توقع تفضيلات الجمهور وتتيح هذا الدراسات القائم على البيانات بإتخاذ قرارات بتخصيص استراتيجياتهم الإبداعية والتجارية بشكل أفضل لتلبية متطلبات السوق وتكبير استثماراتهم.
5. تبسيط عمليات الإنتاج: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الجوانب المختلفة لعملية إنتاج الفيلم بما في ذلك التصوير وتصميم الصوت، وذلك من خلال الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي ويمكن لصانعي الأفلام تجهيز هذه الخوارزميات للمهام المتكررة وتقليل الأخطاء وتحسين الكفاءة الإجمالية لتسهيل عملهم وبالتالي توفير الوقت وتبسيط العملية الانتاجية.
ففي فيلم “Toy Story 2019” تم الاستفادة من استخدام الذكاء الاصطناعي لجعل الشخصيات المميزة أكثر واقعية وتقوية تقنيات الرسوم المتحركة وتحسين المؤثرات البصرية، وذلك من خلال دمج تعابير الوجه الأكثر تعقيداً والحركات الطبيعية حيث يعزز الفيلم التفاعل بين الشخصيات ويخلق تجربة مشاهدة أكثر جذابة. كما إن تطبيق تقنيات الإضاءة المتقدمة والتأثيرات المرئية يزيد من الجاذبية الجمالية للمشاهد فيضفي عليها إحساساً متزايداً بالعمق والأبعاد، كما يساهم إدخال بيئات وعوالم جديدة واقعية في تحسين ملحوظ في الجودة الشاملة للرسوم المتحركة والتفاعل ومقارنة بالأجزاء السابقة التي لم تستخدم الذكاء الاصطناعي في الانتاج.
6. تجارب مشاهدة مخصصة: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوفير تجارب سينمائية مخصصة للمشاهدين، مثل توصيات الأفلام المخصصة والمحتوى الأمثل لتفضيلات كل فرد. من خلال الاستفادة من الخوارزميات القائمة على الذكاء الاصطناعي ويمكن لصانعي الأفلام إنشاء تجربة مشاهدة أكثر جاذبية وإرضاء للجماهير وبالتالي زيادة رضا المشاهدين وولائهم.
تستخدم منصات العرض الحديثة “Netflix & Amazon Prime” الذكاء الاصطناعي لتوفير تجارب مشاهدة مخصصة، حيث يحلل الذكاء الاصطناعي تفاعلات المستخدمين والأفلام ويقترح محتوى يطابق اهتماماتهم وتفضيلاتهم. كما ينتج عن هذا تجارب مشاهدة أكثر إرضاء وزيادة رضا المشاهدين وتعزيز تفضيلهم لهذه المنصات لمشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية.
تعريف الفن في الكثير من الأماكن على أنه إبداع بشري من خلال الوسائل البصرية والسمعية. حيث يتحدى الذكاء الاصطناعي هذه التعريفات من خلال إدخال أشكال جديدة من الإبداع والتعبير الفني المتجذر في التكنولوجيا وتحليل البيانات، مما يسمح للفنانين باستكشاف أشكال جديدة من التعبير وتغيير طرق السرد القصص داخل الأفلام السينمائية ومن خلال تبني الإمكانات الإبداعية للذكاء الاصطناعي.
أثار دمج الذكاء الاصطناعي في صناعة السينما جدلاً حول ما إذا كان يمكن اعتباره فنا.
يجادل المؤيدون بأنه يمكن أن يخلق أفلاماً واقعية وجذابة وفعالة، مما يسمح بالتعبير عن المشاعر والأفكار المعقدة، ويجادل النقاد بأنه يقيد الفكرة الأساسية للفن كتعبير عن الإبداع البشري وفقدان اللمسة الإنسانية والاتصال الشخصي.
يعد تصنيف الأفلام التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي على أنها فن قضية معقدة ومتعددة الأوجه. في حين أن الذكاء الاصطناعي يمكنه بالتأكيد زيادة وتعزيز العملية الإبداعية، مسألة ما إذا كان يمكن اعتبار الأفلام التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي شكلاً فنياً هي مسألة نقاش مستمر وتتطلب دراسات كثيرة وواسعة تتحدث عن دور التكنولوجيا في العملية الإبداعية.
أرى أنا
أن دخول الذكاء الاصطناعي في السينما سيكون له أثر إيجابي في الكثير من المناحي والمجالات في جميع مراحل صناعة الأفلام، من مرحلة التخطيط وكتابة السيناريو ومرحلة التصوير والمونتاج والتسويق وعرض الفيلم وأن دخول الذكاء الاصطناعي يعطي سرعة في الأداء وجودة عالية في النتائج، كما سيسهل على صانعي الأفلام الكثير من الدراسات المطلوبة لرؤية ما هي متطلبات الجمهور من قصص وروايات ومعرفة ما هي نوعية الأفلام المطلوبة بالفترات القادمة.