الفكر النفسي والفلسفي والسياسي لفيلم The purge
نور رزق محمود عظيم
يعتبر فيلم The Purge من الأفلام الهامة في تاريخ السينما الأمريكية لما كان له من تأثير واضح على المجتمع بشكل عام، ولردود الفعل التي تلقاها الفيلم بعد عرضه لأول مرة، يستكشف الفيلم مفهوم حدث سنوي أو قانون سنوي أصدرته الحكومة الأمريكية، إذ تصبح جميع الجرائم بما في ذلك جرائم القتل قانونية لمدة اثني عشر ساعة بهدف التخلص من الحقد والكراهية وتقليل معدلات الجريمة والبطالة على مدار العام.
تدور قصة الفيلم حول عائلة تختبئ في منزلها لحماية نفسها من هذه الليلة "التطهير"، ويؤسس الأب نظام أمن خاص للحفاظ على سلامة أفراد العائلة – وهذا طبيعة عمله أساساً، ويقوم ابنهم الصغير بمساعدة أحد المتشردين ويدخله إلى المنزل، فتظهر عصابة للتطهير تطالب العائلة بتسليم المتشرد وتهددهم بالاقتحام إذا رفضوا طلبهم. وبمساعدة الابن تمكن المتشرد من الاختباء في المنزل، وانقضى الوقت المحدد من قبل العصابة لتسليمه فقررت الشخصية الرئيسية "ساندين" وعائلته مواجهة العصابة بالقتال، وانتهت قصة الفيلم بإصابته ومساعدة المتشرد لأفراد عائلته.
تطرح فكرة الفيلم أسئلة فلسفية ونفسية عميقة حول طبيعة الإنسان وغريزة القتل والأخلاق ويتجاوز أيضاً متحدثاً عن الأنظمة السياسية وعلم النفس الجماعي والنظرية الاجتماعية التي وضعها وأسس لها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة .
كما وظف صانع الفيلم خطاً درامياً أرسطياً ذا حبكة كلاسيكية مبنية على الصراع والتشويق، حيث أجبرت الشخصية الرئيسية على الانضمام إلى هذه الرحلة بعد تعرضها لأزمة منذ دخول المتشرد إلى منزلهم، وتصاعدت الأحداث حتى وصلت إلى ذروتها بعد مطالبة العصابة بتسليم المتشرد وتهديده بـاقتحام المنزل وقتلهم جميعهم، وتقرر الشخصية الرئيسية "ساندين" مواجهة هذه العصابة، لتنتهي أحداث الفيلم بحياة تختلف تماماً عن البداية وذلك بفضل مساعدة المتشرد للعائلة في نهاية هذه الليلة "التطهير"، ما يميز الفيلم هو زيادة الإيهام الدرامي بشكل قوي، ما يجعل المشاهد يشعر بالاندماج التام مع الأحداث وكأنه يعيش في الفيلم، وفقدانه للوعي الزمني الفعلي للأحداث.
ووظف صانع الفيلم عناصر اللغة السينمائية من وجهة نظر آلة التصوير بشخصية المشاهد من خلال الاعتيادية التي حلت محل المشاهد فأصبح المشاهد منغمساً في الحدث داخل الفيلم دون أن يكون مدركًا لوجود الكاميرا، ركز صانع الفيلم على استخدام أسلوب إخراجي يتمثل في تقطيع المشاهد بهدف إظهار ما هو خارج الإطار بشكل أكبر عما بداخله، بالإضافة إلى التحكم في وجهات نظر الممثلين وإضافة عناصر التعاطف للمشهد من خلال تقريب اللقطات بالكاميرا مع تداخل المؤثرات الصوتية مع الصورة بشكل متوازٍ.
إن المهيمن في هذا الفيلم هو فكرته، وهي قانونية القتل والعنف لمدة 12 ساعة سنوياً بقرار من الحكومة الأمريكية والمؤسسين الجدد، ويمكنني استعراض بعضاً من الأفكار الفلسفية والنفسية الى جانب تأثير الأنظمة السياسية على الصراعات في العالم من خلال الفيلم.
يتساءل الفيلم عمّا إذا كان سن الحكومة لقانون يسمح بالجرائم وسيلة مبررة للحفاظ على النظام الاجتماعي أو انتهاك للعقد الاجتماعي، حيث يتحدى الفيلم المبادئ الأساسية للنظرية والتي تؤكد أن الأفراد يتخلون عن حريّات معينة عن طيب خاطر مقابل الحماية والنظام داخل المجتمع، وتجسد ذلك من خلال أبعاد الشخصيات الرئيسية في الفيلم حيث كانت صفات العائلة ذات بعد إنساني ولم يشاركوا في عملية التطهير، إلا أنهم مؤيدين لقرار الحكومة الأمريكية، ثم تتطور الشخصيات مع أحداث الفيلم عندما وصل الخطر لهم للدفاع عن أنفسهم والمشاركة في عملية التطهير من أجل حماية العائلة، يمكن النظر من خلاله ايضا الى الحداثة وفق زكمن بواومن التي حولت إخفاقات الحداثة الى نجاحات وبالتالي لم تستطع ان تحيد فكرة الحريات التي تجعل من الفرد هو من يوجه التحديات وهي مهمته الفردية الشخصية مما يدفع المشاهدين إلى النظر في حدود الحرية الفردية ودور الحكومة في حماية المجتمع.
يقدم The Purge مجتمعاً بائساً حيث تبرر الحكومة الحدث السنوي كوسيلة للتخلص من التوترات الاجتماعية وخفض معدلات الجريمة والبطالة لبقية العام، حيث تشاهد في المجتمعات الغريبة التي تفتقر للحميمية وتميل إلى الانعزال عن الآخرين، مما يؤدي إلى شعور بالاغتراب، يتم تجسيد ذلك في الفيلم من خلال إظهار عزلة العائلة عن المجتمع المحيط وأيضاً داخل المنزل نفسه. بعد إعلان بدء العملية التطهير، يتجه كل فرد في العائلة إلى مكان معين في المنزل وتذهب روز ابنة الشخصية الرئيسية "ساندين" إلى غرفتها فيكون حبيبها، تدخل المنزل قبل الإعلان عن بدأ التطهير، ويقرر حبيبها أن يتحدث مع والدها بطريقته الخاصة، وهدفه كان قتله. نتج عن ذلك مواجهة بينهما وقُتِل حبيبها على يد والدها ساندين من خلال هذا المشهد، ندرك ن الفرد الذي كان يعتبر الفائز الأول في عملية التحرر، أصبح الآن الخاسر الأكبر والضحية، وبالتالي يتأثر مجمل الحريات الفردية والحريات الخاصة.
تظهر هذه اللقطة العائلة وهي تستمع إلى إعلان نظام الطوار.
يعرض الفيلم مشهد إعلان نظام البث للطوارئ لبدأ التطهير السنوي من الحكومة الأمريكية على الشاشة تتابع عائلة "سايدين" وبتركيز الكاميرا على تعابير وجوه الأب والأم وأبنائهم تبدو عليهم علامات التوتر والقلق ومن ضمن الإعلان " من بعد سماع الصفارة، فإن أي أو كل جريمة، ومن ضمنها القتل، الشرطة وحدات الإطفاء، طورائ الطبية لن تكون متاحة حتى الساعة السابعة صباحا عندما ينتهي التطهير، ليبارك الرب رجال المؤسسين الجدد وأمريكا، أمة ولدت من جديد" ثم نسمع صوت الصفارة ومع اللقطات "كلوز آب" للعائلة، يتجسد المشهد في أيدلوجية الدولة الليبرالية الجديدة، على عكس الليبرالية الراشدة، وهي تضع الفرد أمام مسؤولية كل صعوبات الحياة ومنها الأمن ويصبح كل شيء في الدولة قابلاً للتخصيص، وترفع الدولة يدها في النظام الجديد عن كل شيء، وتترك الفرد إلى مصيره و"انجو إن استطعت"! وبالتالي الحريات الفردية التي اكتسبها الفرد مع ولاية الرأسمالية والنظام الليبرالي -وهي كبيرة لا شك بذلك- والآن هذه الحريات تتراجع بشدة، مما يخلق نوعاً من العدمية في المجتمعات من خلال ارتفاع معدلات الانتحار والجرائم وظهور أشكال لا حصر لها من التفسخ الاجتماع، وهذا يدل أيضا على أننا أمام واقع مأزوم، استطاعت الليبرالية تحرير العقل وتخضع الطبيعية للإنسان، وتحقق الهيمنة والتحكم فيما يتعلق بالمواد الطبيعية، وهي محدودة التدخل الحكومي مقابل منح الحرية الفردية ليجب الفيلم عن العواقب المحتملة من منح الحرية الفردية الكاملة في نظامها الليبرالي الجديد.
كما يستكشف The Purge أيضا مفهوم النسبية الأخلاقية، مما يشير إلى أن الأحكام الأخلاقية ذاتية، تختلف من شخص لآخر أو من مجتمع إلى آخر، ويثير مسألة ما إذا كان تعليق المعايير الأخلاقية أثناء التطهير هو انعكاس للنسبية الأخلاقية المتأصلة داخل المجتمع، مما يدفع المشاهدين للتفكير فيما إذا كانت هناك قيم أخلاقية مطلقة أو إذا كانت الأخلاق مجرد بناء اجتماعي ، كما يدرس الفيلم الظاهرة النفسية المتمثلة في فك الارتباط الأخلاقي، مبرراً للأفراد أفعالهم غير الأخلاقية من خلال إبعاد أنفسهم عقليا عن العواقب، ويصور الشخصيات التي تلتزم عادة بالمعايير المجتمعية ولكنها تشارك بنشاط القتل والجريمة، يدفع هذا التحليل المشاهدين إلى التفكير في قابلية الأخلاق للتطويع وإمكانية تورط الأفراد في أعمال مستهجنة أخلاقياً في ظل ظروف معينة.
المشهد الختامي بعد انتهاء الليلة التطهير
وفي المشهد الختامي من الفيلم، وبعد انتهاء الليلة التطهير تظهر شخصية الأم "مارتن" وأفراد العائلة وهم في المنزل ينظرون الى النافذة بتعابير وجههم مرهقة، ينتهي المشهد بصوت نشرات الأخبار التي تتحدث عن نتائج هذه الليلة، فالصدمة التي تتركها ليلة كهذه يكون لها تأثير نفسي كبير على الغالبية العظمى من أفراد المجتمع الذين ليس لديهم أيّ نوازع، في اتجاهات مختلفة منها مفهوم التفرد، حيث يفقد الأفراد إحساسهم بالهوية الشخصية والمسؤولية الأخلاقية داخل المجموعة، وإن إخفاء الهوية الذي توفره الأقنعة والقبول العام للعنف أثناء التطهير يخلق بيئة يشعر فيها الناس بالتحرر من الأعراف المجتمعية، وهذا يؤدي إلى ظهور عقلية الغوغاء، حيث ينخرط الأفراد في أعمال يعتبرونها عادة غير أخلاقية، أو لا يمكن تصورها، يؤكد الفيلم على قوة ديناميكيات المجموعة في التأثير على السلوك الفردي وتآكل الضمير الشخصي.
يستغل الفيلم المفهوم النفسي للتنفيس، وإطلاق العدوان المكبوت والميول العنيفة، يوفرThe Purge منفذا للأفراد للانغماس في أحلك رغباتهم دون خوف من العواقب القانونية من وجهة نظر نفسية، يثير الفيلم تساؤلات حول عواقب قمع الحوافز العنيفة وما إذا كان التطهير بمثابة صمام إطلاق ضروري أو أنه يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الميول العنيفة في المجتمع.
The Purge " الفوضى" الجزء الثاني تطلب المسؤولة الحفل الدعم بعد قتل خمسة منهم
The Purgeهي سلسلة تتألف من أربعة أجزاء، وتقدم في كل جزء قصة مختلفة تدور حول فكرة واحدة، وهي السماح بالقتل والعنف لمدة 12 ساعة سنوياً وفقاً لقرار من الحكومة الأمريكية والمؤسسين الجدد. في الجزء الثاني من الفيلم، يظهَر مشهداً في الحدث النازل حيث يتم شراء الشخصيات الرئيسية لتنفيذ عملية التطهير عليهم يوضعون في غرفة مغلقة ومعتمة، ثم يدخل الأثرياء والشخصيات ذوي الطبقة العليا لقتلهم. تستطيع الشخصية الرئيسية قتل خمسة أفراد منهم، وسرعان ما تقوم المسؤولة عن الحفل بطلب تعزيزات للتخلص منهم، يتم مساعدة الشخصية الرئيسية من قبل رجل دين يرفض فعل عملية التطهير، تجسد هذا المشهد بالواقع السياسي الحالي في حرب على قطاع غزة عام 2023، نذكر في هذه الحالة بالنتائج المتوقعة عندما تدعم الدول القوية استخدام العنف ضد الدول الأضعف. كما يسلط الضوء على التأثير الفعلي لهذا العالم على المدنيين الأبرياء الذين يعيشون في ظروف محاصرة، خاصة فيما يتعلق بالحرب على قطاع غزة والدعم المادي والعسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط. من المهم أن ندرك كيف يمكن لبعض الأيديولوجيات مثل الليبرالية الجديدة والرأسمالية أن تسهم في زيادة العنف وحدوث الحروب يجب أن نعترف بتأثير الدول القوية التي تدعم النزاعات، ونسعى جاهدين لبناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً. يجب أن نعمل على تقليل معاناة المدنيين الأبرياء إلى أدنى حد ممكن، وأن نعطي الأولوية لرفاهية الإنسان على المصالح الذاتية في الأنظمة السياسية.
رؤية الفيلم بمثابة حكاية تحذيرية تحث المشاهدين على التفكير في أهمية التعاطف والرحمة والحفاظ على الأعراف المجتمعية لمنع تآكل إنسانيتنا الجماعية، ويتحدانا من أجل التفكير في التوازن الدقيق بين الحرية الفردية والرفاه الجماعي للمجتمع.