بقلم الكاتبة : د. منى ابو حمدية - فلسطين
اكاديمية وباحثة في الادب والتراث والآثار
حروف مُثقلة بآهات الاسرى ... تحلق في سماء العالم ، ترفرف بعيداً ... فتدور في فلك الانسانية .. لتهبط في مرفأ الكلمة وتحصد جائزة بلون الحرية .
باسم الخندقجي .. من خندق الكلمة الحرة ... ومن دهاليز الظلام القمعية .. والتي قضى فيها عشرون عاماً بين تنقل وتنكل .. واضطهاد وعنصرية .. يخرج للعالم كنور منبعث من بين الغيوم والضباب ... فلم تمنعه آلة البطش والتدمير التي تلتف حوله من مواصلة العمل النضالي .. والمقاوم بالحرف والكلمة .. عشرون عاما تحاط بثلاث مؤبدات ... لم تثنِ هذا القلم عن المقاومة ... هذا البطل الفذ الذي جعلنا نبحث في مفردات الكلام .. عسى ان نرتقي للإجابة عن الاسئلة الوجودية التي ينسجها في اروقة الظلام ... هذا النتاج الادبي الفلسطيني الذي عبر القارات و دق ناقوس الانسانية في اعماق مدَعيها .. وبات مؤرَقاً لعابثي الطريق .. الذين سلبوه قلمه واوراقه مثلما سلبوا وطنه وحريته من قبل .. فور ان ذاع خبر الفوز وصادروا كتاباته وكل قصاصاته الورقية .
فازت هذه الرواية بجائزة البوكر – الجائزة العالمية للرواية العربي 2024 م من بين 133 رواية عربية كأفضل رواية عربية نشرت ما بين تموز 2022م و حزيران 2023 م
حيث طبعت في دار الآداب في بيروت عام 2022م ، يأتي هذا الفوز من رحم المعاناة التي يعيشها الاسرى والاسيرات داخل سجون القهر الصهيونية .
هذا الفوز ما هو الا انتصارا لصوت الاحرار والحرية ... وللحق التاريخي الفلسطيني الذي يحارب اليوم بكل اشكال العنصرية وبشتى وسائل الابادة وبتطبيق سياسة التطهير العرقي للأرض والشجر والحجر .... وامام مرأى العالم ... وفي زمن التطبيع والمؤامرات والخذلان ... الاسرى الذين يخوضون اصعب المعارك مع سجَانيهم ... فما يمارس تجاههم لا يمكن للعقل البشري تصديقه ولا يمكن لأي بشري على هذه الارض تحمل ممارسات القمع الصهيوني في خضم حلكة الزنازين وغطرسة السجن والسجان .
قناع بلون السماء ... والهوية التي تلبس قناع قاتلها ... لا يزال خندقجي يروي لنا سرديات العالم المهمش والعالم الغازي .. فما بين اللون الازرق الهمجي واللون المهمش .. تضيع الكثير من المفاهيم ... وكثير من الحقوق .. غير ان عالم الازرق يزداد قسوة بفرض قوانينه القمعية والعنصرية على اهل الارض ... واهل الهوية الاولى .. اصحاب المكان واسياد الزمان.
هذه الثورة الادبية الفكرية والتي انطلقت من عتمة القهر والظلام ، قد تناولت في طياتها الحكاية الازلية للفلسطينيين ... والحق التاريخي المسلوب ... ومريم المجدلية .. التي تراقص على حقيقة تاريخها عابثي الادب والشهرة في كتاباتهم واقلامهم المأجورة .. فأخفوا السردية الاصلية وحقيقة الاسطورة .. لا اعلم حقيقة ً!! هل باسم يروي لنا روايةً ويحكي لنا حكايا واساطير ... ام يوثِق ويؤرخ لنا احداث حقيقية قد تم اخفاؤها عن العالم .. فتلك الخبايا السرية تزعج عابري الطريق وسارقي المكان .
مثلما حلق باسم في فضاء العالم .. مثقلاً بهموم شعبه و زملائه الاسرى .. كذلك غاص اعماق التاريخ المسلوب .. وابحر بنا نحو كنوز فلسطين التاريخية واثباتها .. و قاد السفينة التي تسعى للتحرر ونيل الحرية ..
ظل خندقجي يقاوم بالكلمة والحرف .. وكانت المقاومة هي الميزة الاكبر في ثقافته وبمعرفته ومدى ادراكه لقضيته وتاريخه العميق .. ولعل المقاومة المعرفية باتت السلاح الذي لا يمكن انتزاعه من باسم وزملائه .. فبالرغم من كل ما يحدث لأسرانا في داخل السجون من مجابهة الاحتلال المباشرة ومن مصادرة لمقتنياتهم ونتاجاتهم الادبية والتي من شأنها ان تعيق من استمراريتهم بالكتابة والتأليف الا ان هذه المعيقات والعراقيل لن تثنيهم عن مواصلة الكفاح الثقافي والفكري .
هذا المسار الذي يسلكه الادباء والكتاب الاسرى في السجون انما يأتي في رسالة قوية وهادفة لمغتصب المكان والزمان .. وسارق الحق والحرية .
هذا المسلك هو بصمة وطنية مميزة تصدح في شتى بقاع الارض .. فطوبى للخندقجي و للأسرى .. وطوبى لصمودهم العظيم.