لقد تطرق الكثيرون وأسهبوا بإخبار سجن الكاتب ومعاناته لذلك لن اتطرق الى هذا بل الى الرواية ذاتها .
لقد شدتني الرواية بإثارتها وسلاسة سردها ولغتها الشعرية الجميلة.
كانت تعاودني وأنا أقراء الرواية بأن هذا النوع من الكتابة الذي يدمج التاريخ بحوادث من الخيال والواقع مألوف عندي , تذكرت روايات جورجي زيدان عن تاريخ الإسلام، كعذراء قريش وغادة كربلاء وأرمنوسة المصرية وغيرها، وكانت اخف وقعا على المتلقي من التاريخ الجامد.
يتنقل الكاتب بفصول الرواية من سبي المقاء إلى دخولها القصر ويعود الى الصحراء ومن ثم الى القصر وهكذا دواليك، كنت اشعر أحيانا بضعف الروابط وبالافتعال لكن ما علينا.
كيف لهذه المقاء السامقة الجميلة من شبوة في اليمن أن تخفي جمالها أمام قائد الجند الغازي بالرغم من ان امها ابقتها بالبيت خوفا عليها من جمالها .
سباها ليقدمها هدية للخليفة، وكان أن حررها الأنهد سليل عروة الصعلوك وطرح عليها عباءته لحمايتها واركبها خلفه على فرسه الداديء ليأخذها إلى رحاب الصحراء فتعرف هناك حرية الصعاليك وبأنهم ولدوا احرارا "فهل رأت او سمعت يوما بملك في ألصحراء"، تتعرف على سحرها وأنوثتها وعن اخبار اقتتال القبائل وعن حروب الخليفة ضد من قاموا عليه وعن قصور بغداد والجواري.
كان بإمكانها العودة إلى أهلها في شبوة لو أرادت ذلك لكنها رفضت وشعرت أنها مسبية, هنا تكمن فكرة يستصعب القارئ فهمها.
لماذا أرادت المقاء أن تظل مسبية وان تباع ب سبعة عشر دينار في سوق النخاسة وقد شاهدت عن قرب حال الجواري ؟
لماذا كرهت دماء بكارتها وأقسمت بأنها ستكون سيدة يمينها ؟
لماذا لم تهتم او تستلطف ابنها موسى وليد فض بكارتها ؟
لماذا أرادت أن تكون جارية في قصر الخليفة ؟.
بعد التعمق بهذه الأسئلة استطيع ان اقول باني فهمت ما وراء رغبتها.
حتى وهي جارية لم "ترد ان تعود الى الوراء الى ملاجئ الضعف والمسكنة والمذلة"
لم ترد "أن تبقى أسيرة ضعفها وخنوعها".
حتى بالقصر كان يفسد عليها الخليفة فرحتها حين يؤكد لها بأنها جارية.
كانت تنظر الى البعيد وتخطط له بحكمة لتصل إليه وتنال مبتغاها، وأسلحتها هي حكمتها، جمالها، فتنتها، أنوثتها، أشعارها وغنائها.
في احد امسيات الفتنة واللذة حين ذكرت للخليفة صفات أجمل النساء "192"
سـألها الخليفة "ويحك أنى توجد هذه ؟"
وقفت شامخة كاشفة عن جسدها الصارخ المحلق بسماء الفتنة وقالت بكبرياء
"انا يا مولاي
انا من خالص العرب فأسكني وأسكت أنيني".
استحوذت على فكر الخليفة وقلبه وجسده وخصوصا بنصائحها التكتيكية لتثبيت امور ملكه.
عرفت انها "لن تبقى مجرد جارية لا تملك من امرها سوى زغب اللذة ".
وقفت بوجه دسائس القصر فكان لها ما أرادت حين رحب بها الخليفة قائلا :
" عليك السلام أيتها الخيزران" وأعلن أنها زوجته أمام الجميع.
تخبطت وبكت وارتعشت لأنها الخيزران الحرة زوجة الخليفة وأم الأمير هارون الرشيد.
هناك امور عديدة يمكن التطرق اليها بالرواية لكني اثرت ان اوضح التناقض بين الجارية ألمسبية وبين الروح الحرة التي رفعتها لأعلى المناصب زوجة الخليفة.
لفت انتباهي الأسماء الجميلة بالرواية " المقاء، الخيزرانة، خلوب، الأنهد، البانوقة".
اشكر الأديب باسم الخندقخي على مجهوده الجبار .
أنور سابا - حيفا