الرئيسية / مقالات
المصالحة الفلسطينية والمصالحة المجتمعية دكتور خالد عبد الحق
تاريخ النشر: الخميس 04/12/2014 18:52
المصالحة الفلسطينية والمصالحة المجتمعية دكتور خالد عبد الحق
المصالحة الفلسطينية والمصالحة المجتمعية دكتور خالد عبد الحق

       ما أن وضعت حرب غزة الأخيرة أوزارها حتى ظهرت عورات المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس, في ضوء تضارب المصالح التي كان كل طرف منهما يسعى لتحقيقها من وراء هذه المصالحة, وجاء مؤتمر الدول المانحة والمبالغ المالية التي تعهدت هذه الدول بتقديمها ضمن مشروع إعادة إعمار غزة ليشكل منعطفا جديدا في مسلسل تضارب هذه المصالح, وليؤكد على صحة تحليلاتنا السابقة الخاصة بأهداف هذه المصالحة, وخاصة الأزمات المالية لكل من حماس وفتح, وأزمة الثقة بقدرة كل طرف على تحقيق تفوق ونتائج حاسمة في أي انتخابات قادمة.

 

     لا شك أن المتغيرات الاقليمية وخاصة في مصر, والانحسار الشعبي في تأييد جماعة الاخوان المسلمين في المنطقة العربية, والسقوط المدوي لهذه الجماعة في مصر, وما رافقه من تراجع في نمط وطبيعة علاقة مصر مع حماس, وتضييق الخناق عليها في غزة, كان سببا رئيسيا في تنامي أزمات حماس وخاصة الأزمة المالية الخانقة التي لا تزال تعاني منها, مما دفعها بشكل أو بآخر إلى التجاوب مع جهود فتح في تحقيق مصالحة بينهما, تنهي من خلالها حماس أزماتها وتعيد لفتح وجودها وفاعليتها في غزة.

     فتح تدرك تماما حجم هذه الأزمات فلعبت على وتر موظفي حماس في غزة لتظهر للغزيين مدى هشاشة القدرات القيادية لحماس وفشلها في إدارة القطاع, في ظل المناخ الاقليمي المحيط, فيما جاء العدوان على غزة ليؤكد على عدم قدرة حماس على التعامل مع نتائجه بشكل فعال, وخاصة ما يتعلق بإعادة الإعمار, فيما اعتقدت فتح وخاصة الرئيس ابو مازن أن مؤتمر الدول المانحة واشتراطه إعادة الإعمار من خلال مؤسسات السلطة الفلسطينية أنها الفرصة المواتية لأبو مازن للعودة إلى غزة على ظهر بناية بعد أن فشل في العودة على ظهر دبابة.

     الأحداث في الضفة وخاصة أحداث القدس, وفشل المصالحة الفلسطينية, وتنامي ظواهر الفقر والبطالة في المجتمع الفلسطيني, وضعف الأداء سواء لدى السلطة أو الحكومة الفلسطينية, تشير إلى تراجع مستويات التأييد الشعبي للحكومة والسلطة الفلسطينية, وانعكاس ذلك على مستويات التأييد الشعبي لفتح في الضفة الغربية, دون أن ينعكس هذا التراجع لصالح فصائل أخرى, مما يشكل وضعا سياسيا خطيرا, قد يؤدي بشكل أو بآخر إلى تنامي التأييد لأجنحة أخرى داخل فتح, وخاصة لصالح جناح دحلان الذي يعد أحد البدائل لجناح ابو مازن وأقطاب السلطة الفلسطينية, في ظل الصعود الدائم لجناح مروان البرغوثي, وما يمثله من تطلعات الجيل الثاني في فتح وآليات مقاومة سياسات الاحتلال.

     بعض قوى اليسار الفلسطيني أدركت تعقيدات هذه المعادلة فسارعت لتشكيل شكلا من التحالف اليساري, ضم الجبهة الشعبية وحزب الشعب وحزب فدا, في محاولة لطرح رؤيتها في مجمل التطورات, والسعي نحو الاستفادة من التراجع في التأييد الشعبي لكلا من حماس وفتح لصالحها, ومحاولة لإعادة قدرتها على التأثير في تفاعلات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية’ إلا أن غياب الرؤية الاستراتيجية والقدرة على التأثير وبقائها أسيرة لآليات تمويلها الذي تتحكم به فتح, جعلها تدور في حلقة العجز عن التأثير الفعلي, ومع ذلك يمكن القول أنها محاولة يجب تطويرها وتعزيزها بما يمكنها من امتلاك قدرات التأثير الفعلي.

     والأهم من ذلك كله هو انعكاس معاناة المواطن جراء السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للسلطة الفلسطينية, والتي جعلت المواطن يعيش حالة من الصراع النفسي والاجتماعي؛ جراء الفقر والبطالة والغلاء الفاحش وانعدام أفق التطور الاقتصادي والاجتماعي, وإدراكه أن ذلك ناجم عن قصور متأصل ومبرمج في أداء وسياسات السلطة والحكومة, التي بات جل اهتماها توفير رواتب موظفيها على حساب المواطن ومتطلباته وحاجاته, الأمر الذي عزز لديه النظر للسلطة والحكومة على أنها تعيش حالة من العجز السياسي والاقتصادي والاجتماعي, في ظل تدهور الوضع المعيشي وانعدام الانجازات للسلطة والحكومة على حد سواء.

     ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية لا تملك قراءة واضحة لطبيعة هذه المتغيرات التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني, وجعلت أولوياتها تتعارض مع أولويات المواطن واحتياجاته, الأمر الذي يخلق حالة من التباعد والتنافر بين مكونات المجتمع والسلطة, في ظل سياسات اقتصادية واجتماعية عقيمة, تتبعها السلطة دون أن تدرس انعكاساتها ونتائجها على المجتمع الفلسطيني, وتحافظ على مصالح أقطابها على حساب مصالح المواطن.

     وبناء على ذلك فإن السلطة الفلسطينية مطالبة بالنظر إلى المصالحة المجتمعية على أنها وسيلتها الأساسية لتحقيق أهداف ومطالب المجتمع, وذلك بالعودة لمصالح المواطن, ومراجعة سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وطبيعة التعامل مع المتغيرات والأحداث السياسية باعتبارها أداتها نحو العودة للشعب؛ ذلك أن خلاف السلطة لم يعد خلافا مع فصيل سياسي, بل هو خلاف مع كل المهمشين والفقراء والعاطلين عن العمل, ومع معظم فئات المجتمع, وبتحقيق هذه المصالحة  سنجد أن المصالحة الفصائلية ستشق طريقها دون عناء وبتأييد والتفاف شعبي حول هذه السلطة.       

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017