الرئيسية / ثقافة وأدب
يامن نوباني بقلم شادن حساين
تاريخ النشر: الجمعة 05/12/2014 21:06
يامن نوباني  بقلم شادن حساين
يامن نوباني بقلم شادن حساين

يامن نوباني ، كاتب فلسطيني ، مواليد : 12/12/1986 وهو من سكان اللبن الشرقية ويحمل شهادة البكالوريوس تخصص صحافة وإعلام من جامعة النجاح الوطنية.

 

و صدر له : ذاكرة اللوز 2013  ، صوفيا لا أحد 2014

 في كل مرة تخطو بها أقدامنا إلى مكتبة تتعثر برمزية أوراق تتواجد هنا وهناك تكون امتدادا لكاتب أو شاعر أو محب أو حتى ثلاثتهم معا..تسعفنا تلك الكتب وأغلفتها للتغلب على ما تشتهي أنفسنا فتستدرجنا لنقرأها..!

 في مكتبة ما وفي طريق ما وفي وطن ما جذبتني شجرة لوز مصقولة غرست جذورها منذ زمن بعيد بعيد جدا فكان من ثمرها ما كتبه يامن!

يامن الكاتب الذي كتب صوفيا وفاطمة ووطنهما..كاتب الحب والأمل كاتب الفقد والحزن..كاتب اللغة وعنوانها يسرني أن أحصر أسئلتي معه في مقابلتي هذه!

 

س- في البداية احترت بماهيّة مقابلتي هذه معك ، فلطالما أردت أن أحاورك بأسئلة أدبية بحتة..لكن أن تكون بدون التعريف عنك وبمن يكتب الأدب نفسه..ستكون بداية غير موفقة!

لذا لا ضرر من أن نجمع كلاهما..من هو يامن نوباني بأسطر توجز أسئلة كثيرة ؟

ج- قرأت من قبل أن الإنسان يعرف عن نفسه بما فقد، ربما فقدي لم ينضج بعد

عادة ما تكون الاسئلة الواضحة أكثر إرباكا من الأسئلة المبهمة.

من أنا؟؟ عادة هذا السؤال يجيب عنه الذين يعرفونني

لأني لا أعتقد أنك تسألين كم عمري؟ أو طولي؟ أو وزني؟ لا تسألين هل لك حبيبة؟ أو هل تصلي؟

تسألين من أكون، وأنا ما يراني الناس عليه. وإن كنت أختلف أحيانا معهم في بعض الضفات.

ولدت ولادة عادية جدا -في الشتاء- في الفصل الذي أحبه، في الثاني عشر من كانون الأول، والى الآن، الى هذه اللحظة وهذا التاريخ 27/4/2014 لا ادري ما الذي حدث، يحدث، سيحدث.

لا أدري ما هي الحياة!

 

س- كيف كان دخولك الى عالم الكتابة وهل تعرضت لصعوبات فيها ؟ وهل نعتبر مهنة الحلاقة "الكوافير" احداها ؟

ج- كانت هوايتي القراءة، الإكتشاف، معرفة كيف يفكر الناس، وكيف ينظرون للأمور..

للحب، لله، للموت، للمصائب، للخيبات، للفرح، للمال، للفقد، للبساطة، ولكل شيء في الحياة.

الصعوبات: سأجيبك أنني لم أجد أصلاً شيء سوى الصعوبات! لم أجد إلا ما يعيقني، عن الحلم، عن المواصلة، لم أجد ناشراً واحداً يقبل بكتاباتي.

لم أجد أيدي كثيرة تصفق لي، لم أجد أحداً يسحبني من يدي مثل طفل ويضعني بداية الطريق ويقول لي: طريقك من هنا...!

كل ذلك صنعته بنفسي، بإيماني أني سأصل يوماً الى ما أشتهي.

أما مهنتي كـ حلاق فلم تضف لي شيء، وفشلت في أن أكون صخفياً

ولأني كنت ادرك ان خيارا واحدا في هذه البلاد العديدة سيكون قاسيا على النفس بدأت بعد سنتي الدراسية الثانية بتعلم الحلاقة ربما لشعوري ان لا عمل ينتظرني في مهنة الصحافة

صدق شعوري. وخُيبت امال الشهادة!

وللعلم هذا لا يفرحني اي اني لا اشمت من الدراسة الجامعية بل ألومها لانها لم تكمل طريقها. وانا من الذين يكرهون انصاف الاشياء

وافضل ان لا تبدأ خير من لا تعرف كيف تنتهي

أو أن تنتهي بطريقة بائسة ولا تستحقها.

ويعتقد الكثيرون أن الحلاق يجمع كل حكايا البلد وعنده تنثر القضايا فوق الطاولة، لكن ذلك لم يحدث معي، في صالوني، ولم تقدم المهنة لي أي شيء على مستوى الكتابة، وربما العكس فزبائني أغلبهم من الأطفال وهذا يعيشني حالة تناقض بما أعيش في خيالي وفكري وبما أواجه على الأرض، بمن أحلم بلقائهم ولو لحظات وبمن لا علاقة لي بهم ولا انتظرهم لكنهم امامي ومعي يوميا.

وبالمناسبة حنا مينا كان حلاقا.

 

س- لمن يقرأ يامن؟

ج- أعتمد بالدرجة الاولى في قرائتي على المجلات الأدبية والملاحق الثقافية للصحف، لدي حالة عشق مجنونة للصحف.

أقرأ كل شهر كتاب، لذا لا أعتبر نفسي نهماً في القراءة، أحيانا بسبب أني مزاجي في القراءة ولست من الذين يحتملون الكتاب الى اخره في حال لم يشدني هو الى متابعته، وأيضا لست من الذين يملون منه من الانطباع الاول، أي أني وسطي في الحكم لكني كثيرا ما تركت كتبا من منتصفها وأخرى من أولها

أعتقد أن القراءة مثل كثير من الأشياء تحتاج حاسة الشم.

 

 

س- من مجمل ما قرأت...ماذا تفضل ؟ ومن هو الكاتب الأقرب لك ؟

ج- أنا مهتم بشكل كبير بأدبنا الفلسطيني ثم ياتي الادب العربي ثم العالمي، تأثرت بمحمود درويش ومريد البرغوثي وجمانه حداد

من أكثر الكتاب التي بقيت ملتصقة بي هو "رأيت رام الله"..

 

س- أحدث كتابك الأول "ذاكرة اللوز" شهرة واسعة وأخذ المنحى الجيد في الطلب عليه..هل تظن أن السبب وراء ذلك هو جوع القراء للطريقة التي تكتب أنت بها أم تشبعهم بما يكفي من الرواية ؟

س- بالتأكيد طريقتي في الكتابة هي وراء نجاح ذاكرة اللوز يضاف الى ذلك المواضيع التي تناولها.

البساطة في طرح القضايا وتناول المواضيع بلغة سلسة ومفهومة وملامسة قبل كل شيء، ملامسة المشاعر الانسانية أهم عامل لنجاح أي كاتب..

أن تعبر عن قلوبهم، تعبر عن ما فيهم، أن تكون كلمتهم التي لا يستطيعون إخراجها أو لا يتمكنون من صياغتها كما يريدون.

كتبت في مقدمة "صوفيا لا احد" : في الكتابة لا يهم أن تكون عاقلا أو مجنونا، المهم ان تكون ملامسا.

وكانت معظم مواضيع ذاكرة اللوز من لب حياتنا اليومية وتفاصيلها

وتحدث مع كل انسان يعيش فوق هذه الارض، انها تفاصيلنا نحن الفلسطينيين وحدنا.

 

س- حدثنا عن أول تجربة كتابية ليامن...وممن نالت الإعجاب ليتابع ويكتب..؟

ج- أول تجربة كتابية كانت عن حيفا، ساهم عدد من الاصدقاء في الجامعه والفيس بوك على تشجيعي لأواصل لكني كنت أواصل دون الالتفات لرأي أحد مهما كان، سواء يشجعني أم يحبطني

كان لدي ايمان داخلي عميق أني سأصل يوما بكتاباتي

وكان ايماني يكفيني.

 

س- متى تتأثر مزاجية الكاتب بما يكتب ؟

ج- تتأثر دائما يما يكتب، حتى لو كان نصه بأكمله من خيال، فهو يظل متابعا لشخوصه وابطال حكايته، وكثيرا ما يشعر انهم باتوا جزءا منه، كثيرا ما لا يفلت منهم.

الروايات الكبرى وصل كتابها الكبار الى ما يشبه الجنون من شدة تعلقهم بشخوصهم، وكأنهم حقيقة وكأنهم يعيشون معهم تفاصيلهم الصغيرة..

.

س- أحيانا عندما نقرأ لكاتب ويجذبنا جدا ما كتب نلقي نظرة على خلفية كتابه نحملق فيها لنجده ذا شعر أبيض –غالبا- وبه من تجاعيد الماضي التي حضرت بما كتب..لكن عندما نقرأ ليامن تصدمنا صورته لشاب عشرينيّ..برأيك من أين استمديت خبرة شعرهم الأبيض بالكتابة؟!

ج- الكتابة مثل الحب حالة مجنونة وغير متوقعه، لا ندري إن كنا سنكسب فيها ام نخسر

ومثل مارثون رياضي قد لا نكون فيه في المرتبة الاولى او المواقع المتقدمه، وقد نتعب كثيرا ويسبقنا كثيرون، وقد نسقط لنقف ثانية ونستمر، كل شيء يحدث فيها، لكننا حتما سنصل خط النهاية ولو متأخرين، سنصل يوما وبيدنا كتاب.

ربما حقا تريد الكتابة تفاصيل وملامح غير تلك التي أملكها، شعر ابيض، شعر كثيف، ملابسة مهترئة قليلاً، وقليلا من الاهتمام بالشكل والمزاج واللهو لتصبح حقيقة وجدية اكثر، وربما ذلك يعطي القارئ شعورا اجمل  أي انه يقرأ لشخص خبرته في الحياة هائلة، لكن علينا ان لا ننسى الشاعر الفرنسي الكبير "رامبو" الذي أذهل العالم بشعره وكان لم يزل صغيرا، ومات في سن السابعه والعشرين..

 

س- ما الذي يميز الكاتب الفلسطيني بنظرك؟

ج- يميز الكاتب الفلسطيني انه فلسطيني، انه صاحب اكبر قضية عالمية، وصاحب ذراع طويل في الألم والقهر والحسرة.

وأنه يملك هذه الطبيعة التي نراها عادية لكنها ليست كذلك، نحن الذين لم نجرب الغربة والمنفى لنرى فعلا ان بلادنا أجمل من البلاد الاخرى ومشاهدها التي تصلنا عبر وسائل الاتصال المتعدده..

والقضية هي قضية هواء، قد نجد جبالا جميلة وسهول ووديان وبحار واسواق وناكحات سحاب ونساء شقراوات ومال وسيارات فارهة، قد نجد كل شيء أفضل في بلاد اخرى لكننا ابدا لن نجد هواء مثل هواء بلادنا.

الأمور مسألة تنفس! النفس الواحد هنا حياة كاملة في الخارج.

 

 

 

س- من هو زياد ؟

ج- زياد قضيتي

أكتبها على مهلي، زياد رواية وليس مجرد سؤال واجابة أو نقاش،

وربما لن تنصفه رواية..

 

س- بنظرك أنت ولا غيرك...لم صوفيا ولا أحد ؟!

ج- لأن الحياة حين تكون تعيسة وقاسية تقودنا لأن نحلم، فقط نحلم

وتبقى مسألة تحقيق الحلم مرهونة بما قدره الله لنا وبما ستقودنا اليه الايام، وصوفيا ليست مجرد فكرة، بل كنت أراها على الأرض تمشي وتدب وتتعثر وتقف وترقص وتبدل ملابسها وتأكل وتحضر لي القهوة والدفاتر والاقلام ... إنها مثل باقي الأمنيات بطيئة في صنع نفسها وفي أن تكون هنا..

 

س- كتبت ابنتك المستقبلية كما تتمناها أن تكون أو كما توقعت منها أنت أن تكون؟؟فهل تظن بأن أمنياتنا حين نكتبها على ورق ستتحقق بعالمنا الخارجي ؟

ج- ليس بالضرورة أن تتحقق الأمنيات كما انه ليس بالضرورة أن نيأس منها

المهم ان لا نتوقف عن الحلم، فالحلم حياة

نحن نكتب لنصل الاشياء التي يصعب الوصول اليها، تلك البعيدة وربما تصبح قريبة، وربما لن تحدث ابدا، أو ربما فاتها الوقت لتحدث

مثلا لم يعد بإمكاني أن أكون لاعبا كرة قدم مشهور في نادي يوفنتوس الايطالي / كحلم من أحلام الطفولة

وكلحم قريب: سأزور حيفا وأركع لأول حجر يصادفني هناك، لأقول له: شكرا.

وكحلم جميل قد تحدث صوفيا او لا تحدث، المهم أن تبقى فكرتها حية.

 

س- في كتابك ذاكرة اللوز..هناك ما يحذبنا فيها لنُحيك من تفاصيلها خيوطا تربطنا بالوطن..وي كأنه مطلوب منا أن نقرأ فاطمة على أنها فلسطين..رسمت الكثير من تفاصيلها بشذراتك وأبقيتنا معها على الأمل وفي الذاكرة!

فلم ذاكرة اللوز ولا ذاكرة سواها؟؟

ج- كل شجرة هي ذاكرة، ذاكرة لإسمها، لنفسها، لنوعها، لشخص ، لتاريخ وطن، لحدث، لموسم، وأيضا لمناسبة إجتماعية فالمشمش ذاكرة جفنا والرمان ذاكرة عين عريك والزيتون ذاكرة سلفيت ... الخ

بلدتي الصغيرة "اللبن الشرقية" بمنتصف الطريق الواصل بين نابلس ورام الله هي ذاكرة اللوز، تغنى بها الكاتب الفلسطيني الكبير إميل حبيبي عام 1968 في كتابه سداسية الايام الستة وكان لحظتها يطل عليها من تلة مجاورة تسمى "منعطفات اللبن اللولبية"

ولإرتباطنا نحن الفلسطينيين بالأرض وبهذا الشجر الذي تخلعه أنياب الاحتلال لينقص عمرنا مع كل شجرة تقلع او تحرق.

ولأن اللوز شهي وبهي ويستحق

 

س- أن تكون يافا بعيدة وبحرها أبعد..ذلك ما يسهل وصول الكلمات فكلما ابتعد عنا مُرادنا اقتربت كلماتنا وتخللت الواقع..فإلى متى ستكتبها ؟ إلى أن تصل الخمسين من عمرك ؟!

ج- لأني لا أملك الآن سوى الكتابة، لو كنت إستطعت الوصول إليها من قبل، أو لنقل لو كان الوصول اليها عاديا وسهلا وليس محرما ربما ما كتبتها ولا اشتقت لها بهذا الشكل الهستيري كما يحدث معي الآن.

تلك المدن البعيدة التي ولدنا وخلقنا على أنها بعيدة

نظل نحلم بها.

 

س- يامن لم يكن مخلصا بحب وطن بأكمله بل قسَّمتَ إخلاصك على كل موقع أحببته بفتاته في ظلال هذا الوطن الكبير..أكنت تنوي احتواءه فعلا ؟!

ج- إن منعتني الجغرافيا والقيود والحدود والهوية والحروب من أكون حيث أحب، فإني أداوي ذلك بحب إمرأة هناك، كذا فعلت في القدس وبغداد والجزائر وبيروت.... إذ أن وجود روح تخصني في مدينة لا يمكنني زيارتها تغني بعض الشيء عن وجودي، وتنوب عني. ويصبح بكائي على شوارعها أقل غزارة.

وأنت تعلمين كم الفلسطيني محروم، من مدنه القريبة ومن المدن البعيدة والتي يحلم بها، وأنه من العادي جدا أن يقضي عمره دون ان يزور مدينة لا تبعد عنه 10 كم.

أجمع مدني ووطني وبلادي العربية في الكتابة التي تصل الى هناك وتزرع مني شيئا قبل أن أصل أنا

وإن لم أصل يوما أكون قد اوصلت رسالتي.

وأكون قد حاولت.

س- جغرافية فلسطين ماذا تمثل ليامن..دَخَلت كثيرا بنصوصك فإلى أي مدى تحفظها ؟؟

ج- من عاداتي التي لا تتركني أبدا: الإلتفات من نافذة السيارة الى كل ما يحيطني أثناء الطريق، الى المنازل والطرق والجبال والحيوانات والطيور واليافطات

أحب التنقل بين القرى والمدن والمخيمات ومعرفة أسرارها وطباعها

وكان لدراستي الصحافة أثر في ذلك حيث ساهمت في إثراء ذاكرتي بالمواقع والأحداث

كما أني أمتلك عادة وصلت حد الادمان، وهي حفظ اسماء العائلات، منذ صغري وأنا مهتم بهذه الصفة، فتجدينني أراقب وأستمع وأتابع من أ بلد هذه العائلة او تلك، حيث وصل الأمر الى ان اعرف من اين آتى الناس وأين يعيشون دون ان اسالهم عن ذلك. فقط لمجرد سماعي اسماء عوائلهم.

 

س- مجرد زواجك من امرأة تحبها هو كفيل بأن يقلب مقاييس حياتك..وأنت تزوجت فلسطين وهي زُفت إليك كاتبا لها..فما ردك ؟

ج- نحن لم ندخل مزاج الشهيد وهو يزف الى فلسطين، عروسته

لم نعش شعوره

انا لم ازفها بعد عروسا، مهرها غال، ويحتاج مني الى اكثر من الكتابة لتعطيني يدها وسأظل أحاول ذلك، سأظل أقترب منها، بلادي القاسية وأحبها.

 

س- أن تكون كاتبا فلسطينيا فلك شرف الكتابة وشرف الإنتماء لذاك الوطن..فإلى أي مدى أثر وتأثر يامن بهويته ؟

ج- الذي لا ينتمي الى وطن، لا يصلح أن ينتمي لشيء اخر

كان لا بد من الاستناد الى حائط صلب منذ البداية، وان لا تكون كتاباتي عبثية او عابرة، لذا كان لا بد من حضور الوطن بجغرافيته المعقدة، وقوانينه القاسية والامه وشخوصه وأسماءه ومحرماته... كان لا بد أن أنطلق منه، فلا يعقل أن تكون  حبيبتي أو أمنيتي أضخم منه! وكان مطلوباً منه أن يحتويني، وأن يتفهم قسوتي عليه وإلا فالأجدر به أن يكون شيئا اخر غير وطني.

 

س- مرحلة الزنزانة في حياتك...هل أثرت بما تكتب ؟

ج- كانت أمنية أن أجرب الإعتقال، أنا أدخل السجن، الامنية التي لا يتمناها أحد، بل يتمنون عكسها تماماً

لا شيء يوصف الزنزانة بقبحها وقساوتها، ولعنتها

قضيت فيها خمس وثلاثون يوما، كانت كابوس وتساؤلات

ماذا أفعل هنا؟ من آتى بي الى هنا؟ من يحق له أن يغلق الباب علي؟ ما جريمتي؟ ماذا يصنع الأهل والأصدقاء في غيابي وهي يفكرون بي؟ كيف سأخرج؟ ومتى؟...

في الزانزانة فقط تسأل نفسك أسئلة كثيرة!

هي المغامرة الوحيدة التي تشعر فيها بالوحدة التامة، الوحدة التي لا يشبهها رعب اخر، حتى محاولات القتل! فحين يمسك أحدهم عنقك وينوي قتلك بسكين تصرخ عليه حتى لو لم ستجب فإن صوتك قد وصل لأحد.

أما في الزنزانة فإنك لا تعرف من الذي يريد قتلك، ولا كيف ولا متى ولا تصرخ! لأن لا أحد سيسمعك!

يبقى رعبك فيك، وصراخك فيك، وهذا أيضا موت وليس مجرد حبس.

فكان لا بد لي أن أكتب عن تجربتي الاعتقالية القصيرة وخصصت لها فصلا كاملا في ذاكرة اللوز وكان أقرب النصوص لقلبي نص "قيد وورد"

 

س- طقوس الكتاب وإن اختلفت تبقى القهوة لتجمعها معا..لكن مع يامن انتشت القهوة بالحروف ذاتها بداخل شذراته..فإلى أي حد تُقدّس القهوة أنت ؟ وهل تظن بأنها تمثل أكثر من واقع معك ؟

ج- القهوة بالنسبة لي حياة. لا غنى عنها أبدا. أعشق بخارها قبل أن أعشقها وأحبها تغلي، أهوى سخونتها.

دوماً تشعرني أني يقظ، وأن علي فعل شيءٍ ما.

إنها اقرب صديق لي في الحياة

تعينني على الصحو والنوم والكتابة، وعلى المشي للقاء إمرأة. فمثلا لو قالت لي إمرأة: ما رأيك أن نخرج لنشرب الشاي؟ لما خرجت ولبقيت مكاني. أو ربما ذهبت لكن دون دهشة.

 

س- أن تكون مختلفا فهذا وحده كقيلا بأن يجعلك متميزا .. لكن اختلافك بما تكتبه من شذرات هل سيتبعه رواية أو شعر ما يُشبع رغبة قراءك بتنوع أبجديتك ؟

ج- ما الكتابة أصلاً؟ إنها الاختلاف. أن نختلف عن من سبقونا وحتى عن أنفسنا، أن نكتب في كل مرة بطريقة جديدة.

كي لا يملنا القارئ الذي ينتظر وكي لا نمل أنفسنا

إعتمدت كثيرا على نفسي في تطوير كتاباتي -ذلك لأن لا أحد يساعدك بقدر ما تساعد ذاتك- وأحيانا عليك تحمل كل ما ستقوم به من تعب جسدي ونفسي ومادي ومتابعة ما سيحدث بقلق مهما كنت واثقا من ما نشرته.

دوماً أجدد طريقة طرح مواضيعي وأصيغ الفكرة بشكل آخر

وأوجد طرق سهلة لإيصالها دون أن يشعر القارئ أن الكتاب ايضا سهل.

 

س- كيف تحكم على عملك بأنه يصلح أو لا يصلح للنشر ؟

ج- أنا لا أحكم القارئ هو الحكم، هو المتذوق الأول والأخير

وله أن يكون ليناً، أو قاسيا في حكمه.

أنا فقط أعتبر أني أنشر ما أؤمن به وما يستحق ذلك

وللقارئ أن يقول كلمته وأن لا يرى كل ما ينشر هو جيد.

 

س- ماذا عن جديدك ؟

ج- انتقلت في الفترة الأخيرة الى عالم الرواية، العالم الذي أراه أصعب فن أدبي رغم يسره وبساطته عند الغالبية، أنا أراه صعب جدا.

أكتب الآن روايتان:

رواية المسافة بيننا شهيد.

والرواية الأخرى عن زياد، إخترت لها اسماً لكن لن أفصح عنه الا حين يمسك زياد أول نسخة منها وربما تطول هذه الرواية بالذات ، هذه تحتاج لسنوات طويلة لأن فعلها مستمر جداً..

 

س- وفي نهاية مقابلتنا هذه نسأل..في ظل العزوف الكبير للكثيرين عن الكتابة والنشر مع أنهم يمتلكون الموهبة..ماذا توجه لهم كلمة ؟

ج- أقول لهم أني بدأت وحيداً، واستمريت وحيداً، وأن هذا لا يرعب ولا يثني

الكتابة تخيف، لكن حبس الموهبة أو الصرخة بداخلنا لأي سببٍ كان مخيفٌ أكثر

في كل مرة ستحاولون بها ستجدون الأبواب مغلقة لكن تأكدوا أنكم أيضاً نسيتم أياديكم في جيوبكم، فاخرجوها واطرقوا كل الابواب الممكنة والغير ممكنة. فثمة طاقة صغيرة تعبر منها الشمس لتسقط على أوراقكم، فافتحوا الأوراق أكثر، اشرعوها للشمس، افضحوها، افضحوا أنفسكم بالكتابة، فالكتابة مشهد فضيحة كامل.

ثمة من يحبون فضائحكم وينتظرونها لأن فضائحهم تشبهها.

 

 

 

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017