الرئيسية / الأخبار / فلسطين
إطارٌ ذو مساحة محدودة يحتضن مشاعراً لا حدود لها.
تاريخ النشر: منذ 4 ساعات
إطارٌ ذو مساحة محدودة يحتضن مشاعراً لا حدود لها.
إطارٌ ذو مساحة محدودة يحتضن مشاعراً لا حدود لها.

من سوار سكر

في عالم يضج بالأصوات والتفاصيل، اعتادت زينب رؤية المشاعر بالريشة والألوان، حيث تبقى هناك أرواح تميزها لغة غير مرئية، لتفهمها وتدركها زينب دون كلمات.

زينب جابر، شابة فلسطينية في الثالثة والعشرين من عمرها، تحمل بين أناملها شغف الرسم منذ أن كانت طفلة، حينما كانت الريشة والألوان تصنع عالمها الخاص، عالما مفعم بالحياة عبر كل خط يستقر على لوحة تحمل ذكرى وشعور . لم تأت موهبتها من فراغ، فالدم يجري في عروق العائلة، فالأم والأخت موهوبتان، كبُرت زينب عاشت وتحدثت بالألوان.

منذ تلك البدايات البسيطة، أدركت زينب أن الرسم ليس مجرد مهارة أو هواية، بل هو طريقة تقرأ بها وتستشعر الحياة، لأن الانسان لا يحدد الهاما واحدا يلهمه، لكن زينب يلهمها جمال خلق الخالق، والهام من المشاعر والصفات البشرية الغريبة التي لا يفهمها غالبية الناس.

فبينما يرى الآخرون الأشياء بعيونهم، كانت هي تستشعر بقلبها، بدأت ترسم العيون والملامح لإيمانها بأن هذا أول ما يأسر القلب، العيون التي لا تكذب، تغني بصمت أعمق من الكلمات، وتفيض بمشاعر لا تبوح بها أي شفتين.

اكتشفت أن الروح الحقيقية لا تسكن الطبيعة فقط، بل في التفاصيل الصغيرة، في اهتزاز الخط الذي يروي قصة الألم والفرح والحنين والتوتر. هناك، بين الألوان، صارت تكتشف ذاتها وتعبّر عن العالم كما الشعور يتحدث، لا كما يُفرض.

زينب ليست مجرد رسامة، بل مترجمة للمشاعر الإنسانية. مشروعها الفني ينقل أحاسيس الناس في أكثر صورها صدقا وبساطة. في كل لوحة ، هناك حكاية تتحدث عن الوجع، عن الخوف، عن الأمل، وعن البحث الدائم عن السلام الداخلي، احساسها العميق في الرسم جعل من أعمالها نوافذ مفتوحة على النفوس، تبوح بما لا تستطيع اللغة قوله.

من بين أعمالها التي شكّلت قلب مشروعها الفني، تبرز لوحتان تحملان أبعادا إنسانية ونفسية عميقة.

الأولى تحمل عنوان "Misophonia"، وهي عمل يلتقط لغة الألم الحسي ويجعلها مرئية. من خلال مساحة لا تتجاوز 50×40 سم، نجحت زينب في تصوير الصراع الداخلي لإنسان يعاني من الأصوات التي تفتك به وتغرقه في دوامة من القلق. الألوان الجريئة تتراقص بين الضوء والظل، والخطوط المتعرجة تخلق فوضى منظمة تعبّر عن معركة روحية، عن صراخ داخلي يواجه صمت العالم. هذه اللوحة ليست مجرد عمل فني، بل تجربة حسية كاملة، تجعلك تعيش التوتر والخوف والانكسار في لحظة واحدة.

أما اللوحة الثانية، "Breathe"، فهي على النقيض تماما من الأولى. لوحة بحجم 70×50 سم، تمثل لحظة تنفس وسط ضجيج الحياة. بريشة زينب، يتحول التنفس إلى شِعر مرسوم على القماش، حيث تمتزج الألوان في انسجام يمنحك شعورا بالراحة والسلام. إنها تذكير صامت بأننا كبشر نحتاج إلى أن نتوقف قليلا، أن نلتقط أنفاسنا، أن نمنح أرواحنا فرصة للسكينة. في هذه اللوحة، تتحرر المشاعر من ضغوط الحياة اليومية، لتمنح الناظر إليها إحساسا عميقا بالهدوء والاتزان.

تتنقل زينب اليوم بين مطافين الرسم التقليدي والرقمي، في محاولة منها للموازنة بين شغفها ومسؤولياتها الحياتية، هذا ما جعل الحفاظ على الشغف الحقيقي مهمة صعبة. ومع ذلك، لا تزال الريشة ملاذها الآمن، المكان الذي تلجأ إليه حين تشتدّ عليها الفوضى. بالنسبة إليها، الرسم ليس مهنة فحسب، بل علاج للروح، تُسكب فيه المشاعر كما هي دون تنقيح أو تكلّف.

في لحظات الصمت الطويلة، نرى أن لوحاتها مرآة كاشفة. تحكي الألوان قصصا عن فوضى العالم عن ذكرى وفرصة، لكنها تضيء من داخلها بريقا صغيرا من الأمل. ربما لهذا السبب يجد من يرى أعمالها شيئا منه فيها، وكأنها تُمسك بمشاعر الآخرين وتحولها إلى صور يمكن لمسها.

ورغم موهبتها الواضحة، تقول زينب أن "الأشياء التي لا يمكنك تغييرها، أنت تختارها."، وبتلك الفلسفة، تختار زينب طريقا جديد يمنح الآخرين لغة جديدة للتعبير عن مشاعرهم. النجاح بالنسبة لها في الرضا الداخلي الذي تشعر به عندما تنجز، لترى لوحتها تعبر عن إنسان لم يجد الكلمات ليصف نفسه.

زينب جابر، في كل ما تقدمه، تجسد الوجدان الإنساني بكل تناقضاته. هي تكتب بألوانها ما لا يقال، وتساعد المتلقي أن يستشعر بوجود روح أخرى كأنه يقف أمام المرآة. لوحاتها لا تحتاج إلى شرح، لأنها تتحدث بلغتها الخاصة – لغة المشاعر الصادقة التي تصدر صوتا يصل إلى القلب مباشرة.

في عالم الفن، حيث الصمت أبلغ من الكلام، تقف زينب كصوت نقي ينبعث من بين الألوان. صوت لا يصرخ، بل يهمس بهدوء، تقول إن الجمال لا يحتاج إلى تكلف، وإن الفن لا يقاس بالضوء الذي يسلط عليه، بل بالضوء الذي يتركه في داخلنا. 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017