لفت انتباهي ما شاهدته للحظات على شاشة التلفزيون في أحد الأفلام السينمائية المصرية، مشهد "فتاة أوروبية" أتت لبلاد العرب كي تجري بحوثًا عن المرأة في العالم الثالث.
المشهد هو: مجموعة كبيرة من الرجال العرب من مختلف الجنسيات وكذلك بعض الأفارقة والشرق آسيويين سال لعابهم لرؤية فتاة أوروبية لحظة وصولها المطار.
مخرج العمل أظهر الفتاة نموذجًا "مكتملًا" لثُلاثيّة (الجمال، الإثارة، التعري) التي يضعها كثير من الرجال العرب في مخيالهم ويؤطّرون المرأة الغربية داخل أركانها.
هذا المشهد يستوقف الأذهان قليلًا، ويقود للتساؤل عن سرّ اختلال التصور عن المرأة من الثقافات الأخرى في عيون بعض الشرقيين، وفي هذا الإطار هناك نقاط عدة يمكن قولها:
أولًا: من غير المنطقي أن يكون مظهر الفتاة الأوروبيّة التي قطعت مئات الكيلو مترات سعيًا للتحصيل العلمي والعمل البحثي نموذجًا صارخًا لفتيات الإعلانات أو عارضات الأزياء أو بائعات الهوى – حسب الصورة التي أظهرها العمل السينمائي- وهذا الإخراج بهذه الطريقة قد يكون حالة من حالات الإسقاط التي يمارسها صانع العمل من نفسه -فردًا أو جماعةً- على الآخرين – أفرادًا أو جماعات- كونه يعتقد أنه لا بد لكل امرأة "أجنبية" عن ثقافته أن تكون منسلخة من أي قيمة إلا قيمة إبراز جسدها حتى لو كانت عالِمة.
وهذا يُستنتج منه إشكالية أخرى، وهي عدم القدرة على استيعاب فهم المجتمعات الأخرى ضمن سياقات متعددة، بمعنى أن تلك المجتمعات فيها قيم ولديها محدّدات حتى لو كانت تلك القيم والمحدّدات عرفية من القاعدة المجتمعية، أو قانونية من وضع السلطات، وتلك القيم تشمل فيما تشمله أن تفصل مثل تلك الأنثى بين حياتها الشخصية وحياتها العملية مثلا، وعلى هذا الأساس لا بد أنها تفصل بكل سهولة بين ثياب الجامعة وثياب العمل وبين ثياب المناسبات الاجتماعية، فإن لم يكن لديها محدّد أخلاقي في هذا العمل، فمحدّدها هو ما يناسب كل مكان من تلك الأمكنة.
وفي حال أن هناك نساء يأتين فعلًا بمظهر "مثير" ولسن من هؤلاء الملتزمين بالثياب المناسبة، فإن كثيرات منهن يراعين الاختلاف الثقافي عند القدوم للمجتمعات الشرقية، أو على الأقل يتم مراعاة ذلك بعد مخالطة المجتمع الذي يندمجن فيه.
ثانيًا: افتراض أن الأنثى من الثقافات الأخرى تنتظر بفارغ الصبر إشارة من أي رجل كي تدخل في علاقة "حرّة" و"مفتوحة" معه هو افتراض خاطئ، وهذا يعيدنا لفكرة فهم الآخر ومحاولة استيعاب محدّداته، وأن لكل مجتمع منظومته القيميّة التي من الصعب تجاهلها مهما بلغت نسبة "تحرّر" ذلك المجتمع. ويؤسس لفهم جديد تجاه الآخرين، وهو المعرفة العميقة عن ثقافة الآخر دون تأطيره واختزاله في صور ذهنية مبتورة.
ثالثًا: حالة "الشهوانيّة الحيوانيّة" التي أبرزها العمل لــِ"العربي" وبعض الجنسيات الأخرى التي تُعد بنظره في ركب التخلف، وردة فعلهم على رؤية امرأة "مثيرة" الشكل، تعطي انطباعًا للمشاهد العربي وغير العربي، أنّ العرب حيوانيّو الغريزة بطبعهم لمجرد رؤية امرأة. علمًا أن التركيب الفسيولوجي والنفسي للرجال في كافة أصقاع الأرض تركيب واحد، وإسقاط الفكرة من الذات على الذات نفسها بهذا الشكل، يعيد إنتاج تصوّر العربي عن نفسه بأنه "كائن غابات وأدغال" لا إنسان يعيش في مجتمع حضري بنسبة الأغلبية من سكانه، وأن العربيّ اليوم يشاهد مئات النساء يوميًا نتيجة اختلاط الجنسين في أماكن الدراسة والعمل، وحالة "الكبت" ومحاولات "التنفيس" المصطنعة التي أظهرها العمل لا أعتقد أنها تناسب عام 2014 بقدر ما تناسب ثلاثينات القرن الماضي.
السينما العربية في كثير من الأحيان تشوّه الوعي وتخلق فجوة بين الواقع وتصوّرها عن ذلك الواقع، وتسعى -بقصد أو دون قصد- لتسطيح المعرفة، وتزييف التعبير عن المجتمع الذي يفترض أنها تنطق من داخله وباسمه وبثقافته، وهذا ما يُضعف مصداقية بعض الأعمال ويحول دون قدرتها على التأثير، ويبقي قدرتها على الإثارة فقط.