شاهدنا في أيام الصبا أفلام "عمر المختار" و "الرسالة" التي تتحدث عن بطولات الأوائل و مقاومي الاستعمار، و أتحفتنا السينما المصرية بسيل من الأفلام و المسلسلات ك "رأفت الهجان" و " الحفار" و "الطريق إلى إيلات" و "أدهم الشرقاوي" كما أنتجت الدراما الأردنية المسلسل الرائع "هبوب الريح" و لأننا نشأنا بعد عصر الهزائم العربية، كانت تلك الأفلام و المسلسلات تلعب دوراً تبريرياً و تعويضياً لنفسياتنا، و نحاول من خلالها الهرب من واقع سيء إلى ماض نعتبره جميلاً، و عززت للبعض منا نوعاً من الدافعية الوطنية نحو العمل و الانجاز، مع أنه تبين أنّ بعضها ليس له حظ من الحقيقة.
كان أكثر الأفلام قرباً من قلوب الكثير من الفلسطينيين هو فيلم "الطريق إلى إيلات" فهو يظهر في النهاية صورة لمن قاموا بتلك المهمة، التي تميزت بصفتي البطولة و المشاعر الانسانية الراقية، و لذلك كان الكثير من العرب و الفلسطينيين الذين ذهبوا إلى أم الرشراش "إيلات" يستذكرون هذا الفيلم المميز.
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، و مع اشتعال انتفاضة الحجارة، قامت مجموعة من الضفادع البشرية التابعة لحركة "فتح" بتنفيذ عملية في إيلات عبر العقبة الأردنية، و بالكثير من التفاصيل المشتركة مع قصة الفيلم، فالفكرة راسخة في ذاكرة رجال المقاومة الفلسطينية، ووجدت طريقها إلى التنفيذ و النجاح في حينه.
و كان للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قصة أخرى مع العمل العسكري و الأمني المتميز، فبنت مشروعاً مقاوماً في القطاع، اعتمد المؤسساتية و التشكيلات و البنى المتخصصة، و ابتعد عن الاستزلام و الاستعراض في الشوارع، فأسس بنى صناعية للكثير من احتياجاته خلال معاركه مع الاحتلال، و بنى هياكل أمنية مختصة في العمل الأمني و الحرب النفسية و جمع المعلومات و الاستطلاع و مكافحة التجسس، وشكّل هياكل و خلايا صواريخ و مدفعية و قناصة و قوات خاصة برية و بحرية، و صنع طائرات بدون طيارلأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، و حفرت الأنفاق بأشكالها المختلفة، و ربما هناك أشياء لم يتم الكشف عنها، و بالتالي ليست متاحة للإعلاميين و المتابعين.
بالتوازي مع هذا الإعداد المادي قامت المقاومة الفلسطينية بإعداد مقاتلين أذهلوا العالم بأدائهم خلال المعركة الأخيرة على وجه التحديد، أجبروا جيش الاحتلال على الهرب من أطراف قطاع غزة، و لا زالت الكثير من فصول المعركة خفيّة، و تزهد المقاومة و الاحتلال في الكشف عنها، بينما يتم الكشف عن بعضها أحياناً بإيجاز و باختصار، و خاصةً حجم الإصابات و المعاقين، بينما لا يزال الكتمان سيد الموقف عند الحديث عن بعض الصفحات الغير معلومة خلال الحرب.
فوجىء الكثيرون بنشر موقع إخباري للقطات مسحوبة – على ما يبدو- من حاسوب عسكري إسرائيلي مخترق، و تظهر تلك المشاهد بعضاً مما جرى عندما اقتحمت وحدة من الضفادع البشرية التابعة لكتائب القسام لموقع "زيكيم" العسكري، لقطات حرص الاحتلال على عدم نشرها للملأ، لأنّها أظهرت شباباً و مقاتلين أشداء، سبحوا في نهار رمضان كيلومترات عديدة، و اقتحموا قاعدة بحرية للاحتلال، و كانوا يتحركون و يقاتلون و يناورون و كأنّهم بكامل لياقتهم البدنية، و المذهل في الموضوع هو نوعية البنية الفكرية و النفسية لهؤلاء المقاتلين، الذين كانوا يقاتلون دبابات الميركافا باحترافية، و بعتاد بسيط، ووجهاً لوجه، و من مسافة صفر، يفجّرونها و يشتبكون معها، تحيط بهم الطائرات و الزوارق و الدبابات، مطلقةً النار عليهم، و لم يرتجفوا و لم يستسلموا، و قاتلوا حتى الطلقة الأخيرة و حتى الرمق الأخير، بينما كان صراخ جنود الاحتلال المرعوبين داخل الدبابات يسمع بوضوح من خلال أجهزة الاتصال.
قبل أيام أبدى رئيس أركان جيش الاحتلال انبهاره و إعجابه بهؤلاء المقاتلين، و تمنّى عدد من قادة جيشه لو يكون تحت إمرتهم جنود كهؤلاء، بينما عززت تلك المشاهد ثقة الفلسطينيين و العرب بقدرات و بصدقية خطاب و معلومات المقاومة الفلسطينية، و أنّها عندما قالت أنها تعلم ما يجري داخل القاعدة العسكرية "زيكيم" لم تكن تكذب و لا تستعرض، و ثبت أنّها تمتلك إمكانيات استخبارية مكنتها من ذلك، و هذا ما أربك جيش الاحتلال – حسب صحيفة معاريف – و بينما يجلس قادة جيش الاحتلال مرتبكين، و يتابع محبو المقاومة الفلسطينية تلك المشاهد بفخر مرةً بعد أخرى، يقف صانع الأفلام العربي مستصغراً ما قام به أمام فلم الواقع و البطولة "الطريق إلى زيكيم".