منذ بزوغ فجر السينما العربية والمصرية تحديدًا، كان للمظاهر والصور الدينية ترميزًا خاصًا بها في تسلسل الأعمال السينمائية، وفق التطور الزمني للسينما نفسها، ووفقًا للتطورات المكانية والاجتماعية والسياسية بما تحمله من تطور مصاحب للتصوّرات عن الدين كعقيدة من جانب وكسلوك فردي مرتبط بالأشخاص وصولًا إلى السلوك الجماعي المرتبط –عادةً- بمجموعات "إسلامية" من جانب آخر.
التعبير عن السلوك الجماعي، أو ما عبّرت عنه الأعمال السينمائية بــــِ "صورة الجماعات الإسلامية" في السينما على امتداد عقود من الزمن، ليس موضوع هذه السطور، فقد أُشبع بحثًا ونقدًا، سواء ما كان موضوعيًا منه، أو ما كان ذا توجه مؤطر مع أو ضد "الصورة السينمائية للجماعات الإسلامية".
وما يسترعي الالتفات هو تطور الصورة السينمائية عن "الرمزية الدينية" وهي بمعنى مجموع السلوكات والتصرفات والأقوال أو الرموز والإشارات المشتملة على معاني دينية داخل الأعمال السينمائية.
منذ مطلع القرن العشرين انطلقت الأعمال السينمائية لتتناول كافة مجالات الحياة، وبالطبع بدأت تتبلور فكرة انعكاس صورة "الدين" أو الرمزية الدينية في الأعمال بعد أن اتضحت الشخصية السينمائية المصرية والعربية للمشاهد العربي وتبلورت بأعمال تلاحقت تباعًا حتى يومنا هذا.
وتطورت صورة المظاهر الدينية في السينما وفقا للتسلسل الزمني، ضمن التصورات الآتية:
أولًا: لعل عقودًا من الزمن خلت فيها السينما من أية مظاهر أو صور متعلقة بمرجع أو إطار ديني، وقد يرجع ذلك إلى أن السينما ذاتها لم تكن منتشرة، ولم تكن الأعمال السينمائية قد وصلت لجميع الفئات المجتمعية، وهذا ما جعل موضوعات السينما نفسها مقتصرة على النخبة وفئاتها الأكثر حظًا بالوصول إلى دور السينما.
ثانيًا: بعيدًا عن الأعمال التي كانت تحكي سيرة تاريخية، أو التي سلطت الضوء على شخصيات "إسلامية"، فإن المظاهر والرموز ذات البعد الديني في السينما والدراما عمومًا بدأت تظهر على استحياء في الأعمال، وهي ليست ذات عمق زمني بعيد نظرا لحساسية التطرق لمواقف أو مظاهر متعلقة بصورة الدين في المجتمع العربي، ونظرًا لأن العاملين في هذا القطاع يعرفون موقف الدين من السينما خاصة فترة ظهورها وازدهارها في المجتمع.
ثالثًا: الأعمال السينمائية التي تحكي حياة الريف ظهرت فيها "النساء المحجبات" ولكن ليس من بعد ديني بل ربما كان بعدًا اجتماعيًا يرصد الزي والعادات والتقاليد أكثر من رصد الواقع الديني.
رابعًا: ظهور المحجبة في السينما والتلفزيون أيضا في فترة السبعينات والثمانينات كان محصورا ضمن أدوار بسيطة، مثل دور الخادمة أو السيدة الفقيرة، مقابل سيّدة المجتمع التي ترتدي ثيابًا "عصرية" ويبدو الفرق واضحًا بين الشخصيتين لصالح سيّدة المجتمع. وهذا التصوّر لم يكن يعكس حقيقة المجتمع ولم يبيّن بصدق حجم فئة "المحجبات" في مجتمع عربي مسلم، رغم أن دور السينما أن تعكس الواقع بكل متناقضاته وإيجابياته وسلبياته في إطار المعالجة السينمائية للقصة.
خامسًا: في جزء من الأعمال الدرامية وخاصة التي ترصد الحياة الاجتماعية في الأحياء الشعبية البسيطة في مصر في حقبة الثمانينات والتسعينات، كانت تظهر الرمزية الدينية بوجود ممثل كبير السن يؤدي الصلاة، أو يحمل مسبحة، أو سيّدة كبيرة السن محجبة، ويلاحظ المتابع انتشار الآيات القرانية والأحاديث النبوية الشريفة والعبارات الدينية على اللوحات الموضوعة في مكان بارز خلف الممثلين في نسبة كبيرة جدًا من لقطات ومشاهد العمل التلفزيوني.
سادسًا: في حال رصد العمل السينمائي والتلفزيوني للشخصية الرئيسية في دور "ديني" فإن الرموز هذه تتطور إلى جزء مهم جدًا من القصة، ولكن تلك الرمزية ليست بالقوة ذاتها التي تظهر بها في الأعمال الأخرى. والسبب في انخفاض قوّة الرمزية هو أنها مُتوقعة في هكذا عمل.
سابعًا: في الأعمال السينمائية ما بعد عام 2000 يظهر أن صانعي السينما والدراما يحاولون ضبط المعادلة بشكل أقوى من ذي قبل بدمج المعاني والرموز الدينية في إطار العمل الفني بصورة أكثر سلاسة وتمريرها للجمهور بشكل "عصري" إن صح التعبير، وعلى سبيل المثال: الإشارة إلى الأذان في بعض الأوقات وهو إشارة مهمة لدخول وقت الصلاة لدى المسلمين، كما أن بعض الأعمال يظهر فيها ممثلون في سن الشباب يؤدون الصلاة. أو فتاة شابة ترتدي "الحجاب" في إطار هذا العمل أو ذاك بطريقة تجعل المشاهد يتقبّل الأداء مضمونًا وشكلًا.
وعطفًا على النقطة الأخيرة، فإن الدراما والسينما صناعتان لا بد أن تعكسا الواقع أو تعبرا عنه بصورة منصفة، لأن القدرة على محاكاة الواقع تجعل العمل أكثر تأثيرًا على الدوام، حتى وإن كان الجدل قائمًا على مغزى رمزية الدين في تلك الصناعة.