يدل العنوان على كثرة الشواطئ التي ارتحل إليها الفلسطينيون وعلى تشردهم المتواصل ولجوئهم في أمصار العالم ، و" الشاطئ الأخير " هو الشاطئ الفلسطيني آخر الشواطئ التي وصلتها المجموعة الفدائية بقيادة دلال المغربي للقيام بالعملية الفدائية قبل استشهاد معظم أفراد المجموعة في نهاية المطاف فهو شاطئ الوطن وهو البوصلة التي أشارت الرواية إليه .
يأتي الكاتب على أحداث العملية الفدائية التي قامت بها المجموعة الفدائية بقيادة دلال المغربي عام 1978، ويسرد الأحداث بطريقته الروائية ابتداءً من وجود المجموعة في المعسكر التدريبي في لبنان تحت قيادة خليل الوزير أبو جهاد مرورا بالتوجه إلى فلسطين من لبنان عبر البحر ، ووصول الفرقة إلى فلسطين وتتبع أحداث العملية بحذافيرها وما أسفر عنها وانتهاءً بوقوف فياض قبالة البحر - وهو ثاني اثنين نجوا من العملية - وإطلاقه النار على أمواجه.
أما شخصيات الرواية فهي شخصيات حقيقية تتمثل بعائلة دلال المغربي والأب الروحي لدلال وهو خليل الوزير أبو جهاد، وأفراد المجموعة الفدائية ، لكنّ الكاتب افضى عليها من خياله وأبدع سيناريوهات متعددة تشوق القارئ لمتابعة الرواية بنهم، كما أبدع الكاتب في وصف أبعاد الشخصيات عن طريق استخدام تقنية تيار الوعي .
تراوح أسلوب السرد في الرواية بين السرد المباشر والسرد غير المباشر ، فعندما تتحدث الشخصيات فيما بينها كان أسلوب السرد أسلوبا مباشرا وباللغة العامية أي بلغة الشخصية الحقيقية وهذا أضفى مصداقية عالية بحيث يشعر القارئ بأنه يعيش اللحظة بحرارتها ، وعندما يسرد الكاتب كان يتوسل السرد غير المباشر واللغة الفصيحة والروائية اللغوية .
تحدثت الرواية عن عدة مشاهد فيها أبعاد مختلفة من أهمها:
1_ قيام الشخصيات بالرقص واللهو على متن السفينة أثناء عبورهم البحر من لبنان إلى فلسطين ؛ وفي ذلك امتزاج الموت بالحياة بل في ذلك سخرية من الموت ، ففي نهاية المطاف سيموت أغلب أفراد المجموعة كما يريدون وكما يتمنون مبتسمين للموت بكل ما أوتوا من طاقة روحانية.
2- استشهاد معظم المقاومين من أفراد المجموعة استشهادا بطوليا إذ ماتوا على طريقتهم كما أرادوا وبالطريقة التي يحبونها وعلى الأرض التي يتمنون دخولها والاستشهاد فوق ثراها ، محققين أمنيتهم الجمعية والرمزية ؛ وفي استشهادهم حياة أكثر من كونه موتا .
3_ اختلاط دم دلال بثرى الوطن: وهنا يمتزج الأصل بالأصل والعشق بالعشق في مشهد أسطوري، فلا بدّ للأشياء أن تعود لأمها الأرض.
4- وقوف فياض في نهاية الرواية على تلة قبالة البحر وإطلاق النار على الوحش الكبير "البحر" الذي ابتلع اثنين من أفراد المجموعة الفدائية أثناء عبورهم البحر بالقوارب بعد نزولهم من السفينة ، هذا البحر الذي ضاعوا فيه وأطبق عليهم بقسوته وجبروته وأمواجه ورياحه ، فما كان من فياض بعد ثورة غضبه على السفارة الفلسطينية في الجزائر إلا أن وجه بندقيته نحوه وأطلق رصاص خرطوشه انتقاما ومقتا للتشتت واللجوء والفقر وثأرا لمسيرة الأصدقاء.
أما عن علاقة الرواية في سياق الأدب الفلسطيني فقد لاحظت علاقة بروايتي غسان كنفاني "رجال تحت الشمس"و "ما تبقى لكم " على الرغم من أن كل من الروايات الثلاث لها شخصيتها المتبلرة ، لكن في السياق العام ثمة تشابه بين صحراء غسان وبحر عدوان في قسوتهما على الفلسطينيين ، فتقوم الصحراء بقتل المهاجرين الفلسطينيين بين العراق والكويت ، ويقوم أبو الخيزران برميهم في المزبلة ، وفي رواية بعد الشاطئ الأخير يقوم البحر بعرقلة مسيرتهم وأخذ حصته من أرواح الفدائيين .
لكن في رواية "ما تبقى لكم " لغسان كنفاني يحدث الأمر بطريقة مغايرة ، فتتعاطف الصحراء مع البطل الذي قرر العودة من غزة إلى الضفة الغربية منبته الأصل- فمنحت البطل أسيرا إسرائيليا لم يكن في الحسبان ، وهنا يظهر تعاطف الصحراء ووقوفها إلى جانب الفلسطيني العائد إلى منبته الأصلي.
أما رواية بعد الشاطئ الأخير فإن عدوان نمر عدوان يُظهر قسوة البحر مع المجموعة الفدائية العائدة إلى فلسطين ، فالبحر ابتلع اثنين من أفراد المجموعة ، ورمى بهما في دوامة موجه وتياراته العاتية بعد أن ضاعت المجموعة أياما ثلاثة في تيهه حتى كادوا أن يفشلوا العملية قبل وصولهم إلى الشاطئ الأخير ، وربما أراد الكاتب إظهار قسوة البحر ليعلم الفلسطيني بأنّ الطبيعة ستنقلب ضده إن لم يكن يملك التدريب والفراسة والتوحد وكل ما يؤهله للعبور؛ فالطبيعة ليست ميراثا أو ركوبا له إنما ينبغي تطويعها بالتدريبين الجسدي والروحي ؛ لأن الطبيعة ملك الإرادة فقط .