بقلم: أيمن هشام عزريل
يدور الكلام حول الفقر والتطرق إلى حيثياته، فالفقر لا ينتهك إلا حرمة الإنسان، ولم يقهر إلا الإنسان، والطامة الكبرى أن الفقر هو من صنع ذلك الإنسان، أن الأمر الجوهري الذي ينبغي أن نعترف به أن ظاهرة الفقر أصبحت تطرق أبواب أغلب الدول العربية مع تباينها، وأن الوضع المتردي للبلدان يبدو جلياً أن الفقراء هم ضحايا الاستغلال واللامساواة، وأن التعامل مع ظاهرة الفقر ينبغي أن يكون أكثر حضوراً في الذهن.
إذا كان الفقر قديماً في معناه فهو متجدد في كل يوم، يحمل انتكاسات وتراكمات كثيرة للإنسان، في معيشته، ومركزه، وحياته، كله مرتبط بمرض الفقر المعدي، لا نبالغ إن قلنا أن عدد الفقراء في العالم هم أكثر من عدد الأغنياء، أو أصحاب المعيشة البسيطة، أو المتوسطة، إن عالم اليوم يشهد ارتفاعات فلكية في الغلاء، الأمر الذي يهدد عدداً كبيراً من سكان العالم بالفقر، ويخشى الساسة، والأكاديميون من ثورة للجياع على المستوى العالمي، لذا ينصب الاهتمام اليوم على رسم وإتباع السياسات المناسبة للحد من الفقر والجوع في العالم.
لذلك كان بروز الفقر الاجتماعي الذي يقصد به عدم المساواة الاجتماعية، وتلك هي معضلة كبيرة، ومن ذلك برزت الاختلافات في تحديد تعريف موحد للفقر، وعلى الرغم من تعدد الآراء ووجهات النظر يبقى الفقر في تصورنا هو حرمان واضح للإنسان من كل شيء، لا يضمن له الحياة، ولا يؤمن مستقبله، ولا يجعله قادراً على الوعي بكل شيء، ولا إنقاذ نفسه من مستنقعات الجهل، والتخلف.
لقد باتت محفزات الفقر كثيرة، وربما من أهمها هو التخلف، فالتخلف والفقر عنوان واحد، وأصبحت تلك حقيقة لا شك فيها، حيث أن التخلف في أي مجتمع من المجتمعات يؤدي إلى فقره، ومعيار التخلف والفقر لا يعد بكل تأكيد مجرد قياس مستوى دخل الفرد، وإنما ما يلحق ذلك من تخلف مجتمعي متمثل بقلة الوعي في السيطرة على الحياة واستثمارها، وزيادة الأمية، وعدم استغلال مقدرات الحياة وغيرها بالطرق المثلى.
ويمكن القول أن نهب الثروات يمثل أحد الأسباب الرئيسة للفقر والحرمان العام الذي تعيشه مختلف شعوب العالم، مما أدى إلى وجود فئة محرومين وفقراء، كظاهرة اجتماعية إلى جانب فئة متخمة بالثروة؛ الأمر الذي يدل على وجود مقاييس غير عادلة حاكمة في توزيع الثروة على أفراد المجتمع، وبالتالي على خلق الفوارق المجتمعية الحادة بين الفئات والطبقات الاجتماعية، فنهب الثروات دون استغلالها بشكل صحيح وعادل تعمل على زيادة نسب الفقر والفقراء، فهناك دول غنية مثلاً في مواردها ولكنها لا تستغل تلك الموارد بشكل أمثل داخل البلد، بل تحولها إلى الخارج للحصول على فوائد مالية ذي ربح سريع، أو تركز تلك الموارد والثروات في أيدي فئة قليلة من المجتمع؛ الأمر الذي يؤدي إلى اختلالات واضحة في التوازن الاقتصادي، من انخفاض في نصيب الفرد من الناتج فيخلق فارق اجتماعي واضح ويوسع الفجوة بين فقراء وأغنياء البلد.
ومن الأسباب الأخرى المحفزة للفقر، الظلم المتصل بالعلاقات الاقتصادية، حيث يتجه إلى رفع اسعار السلع بشكل كبير، أو استيفاء المنافع والخدمات بأجور زهيدة أقل من قيمتها، وفقاً للأسعار الرائجة، أو نوع العمل المبذول، وهي تهدف إلى سحب أموال الناس بالباطل واستغلال طاقات الناس، ونشر سياسة أو ثقافة الإفقار الواضحة، والذي نتيجته الفقر الناشئ من تكالب الناس بعضهم على بعض من أجل كنز الأموال دون المصلحة العامة.
ومن الملامح أيضاً؛ بناء المجتمع على أسس جاهلية مثل الطبقية (العنصرية)، حيث يتمتع في ذلك فئة محددة من الناس بكل فرص الثراء، في حين تحرم الغالبية من أبسط الحقوق والامتيازات، مؤدية بذلك إلى زيادة في التناقضات والهوة الواسعة بين الطبقة التي أصبحت غنية والأخرى التي مورست عليها عملية الإفقار.
فأطر العولمة وتداعياتها أصبحت واضحة، فهناك من الدول من ازدادت فقراً وإفقاراً، من هذه الظاهرة العالمية الخطيرة، لأن من سلبياتها سحق الكثير ممن لا يفقهها، وذلك بزيادة الفقر والفقراء فيها سواء كانوا دولاً أو أفراداً وكلاهما سيزدادون فقراً في ظل العولمة.
وحقيقة أن ما يؤدي إلى شيوع الفقر بين الناس، أسباب كثيرة أيضاً، مثل انتهاك كرامة الإنسان، وإذلاله على شكل فقر مدقع، وتختلف مسببات الفقر بين مكان وآخر، بحسب الثقافة والسياسات المتبعة في تلك البلدان، وكذلك نوعية التعاملات بين البشر.
إن عدم مقدرة الفرد على الشراء لإشباع حاجاته بسبب الفقر، يخلق شعوراً بالإحباط والنقص والنقمة وحتى العدوان ضد الاخرين، وبخاصة من هم أغنى منه مادياً، فيدأب بممارسة أمور غير مشروعة كي يعيل نفسه أو يحصل على قوته، ولكن لا يعني ذلك أن جميع الفقراء قد أصبحوا مجرمين، فهناك اختلاف في زوايا التفكير، واختلاف في التركيبة الشخصية التي يحملها الفقير، فنجد أن هناك فقراء يحاولون البقاء في الحياة.
تبقى مشكلة الفقر بحاجة إلى علاج فردي شخصي مجتمعي، إلا أن الكلام قد أرهق الكثير وحتى الفقراء أنفسهم، وقد شبعوا منه، ولم يشبعوا من الرغيف، وهذا هو الشيء الذي لن يتحقق على الأرض إلا إذا استقام الإنسان، فلماذا تقام مؤتمرات وتعرض تقارير التنمية البشرية سنوياً؟؟؟