بقلم: د. ماهر تيسير الطباع- خبير ومحلل اقتصادي
انخفضت أسعار البترول عالميا من 110 دولار للبرميل إلى 45 دولار للبرميل أي بنسبة تبلغ 60% خلال الشهور الستة الماضية وذلك بسبب كثرة الكميات المعروضة في الاسواق العالمية, ورفض منظمة أوبك خفض الإنتاج، وبالرغم من الهبوط الحاد في أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية , إلا أنّ المحروقات وخصوصا مادتي البنزين والسولار لا تزالا مرتفعتا السعر في الأراضي الفلسطينية، والتي تعتمد على الاسواق الإسرائيلية في تحديد أسعار المحروقات، و انخفضت الاسعار لدى إسرائيل بنسبة لا تتجاوز 15% خلال الفترة السابقة وهي لا تتناسب مع الهبوط العالمي، وبالتالى انخفضت في الأراضي الفلسطينية بنفس النسبة ليصل بذلك سعر لتر البنزين إلى 6.3 شيكل و سعر لتر السولار 5.61 شيكل ذلك للمرة الأولى منذ العام 2010.
إن البعض أرجع عدم انخفاض أسعار الوقود محليا بما يتناسب مع الأسواق العالمية، إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الشيكل الإسرائيلي، ولكن من المفترض أن يكون التأثير بنسبة ارتفاع الدولار على الشيكل وهي 15% أي أنة من المفترض نزول المحروقات بنسبة 45% وليس 15 % ، إن الانخفاض الذي حدث في الأراضي الفلسطينية عبارة عن أغورات لا تذكر ولا تخفف عن كاهل المواطن الفلسطيني شيئا , بينما انخفضت الأسعار في معظم دول العالم بنسبة تتناسب مع الانخفاض العالمي, فعلى سبيل المثال انخفضت أسعار المحروقات في أمريكا بنسبة 50% , وتم تخفيض سعر جالون البنزين سعة 4 لتر من 4 دولار إلى 2 دولار ليصبح بذلك لتر البنزين في أمريكا بنصف دولار أي 1.95 شيكل وهو أقل بضعفين من سعره في فلسطين.
والحقيقة أن إسرائيل ربطت من خلال اتفاقية باريس الاقتصادية أسعار المحروقات بالمناطق الفلسطينية بالتسعيرة الإسرائيلية, مع السماح بوجود فرق للمستهلك الفلسطيني لا يتجاوز 15% من السعر الرسمي النهائي للمستهلك في إسرائيل , وتحصل إسرائيل على ما يعرف "بضريبة البلو" البالغة 3 شيكل عن كل لتر من مشتقات البترول يباع سواء في "إسرائيل" أو في مناطق السلطة الفلسطينية هذا بالإضافة إلي ضريبة القيمة المضافة البالغة 18%، و هذا يعني أن كل لتر من مشتاقات البترول يباع في السوق يتحمل ما قيمته 3.5 شيكل و هو ما يشكل أكثر من 50% من سعر اللتر يذهب لصالح الضرائب, وتعتبر هذه النسبة من أعلى النسب في العالم.
وهنا يجب التساؤل لمصلحة من تبقى الأسعار مرتفعة في الأسواق الفلسطينية بالرغم من انخفاضها عالميا، وهل يعقل في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر و انخفاض دخل المواطن في فلسطين أن يكون سعر المحروقات في السوق المحلى الأغلى عالميا.
وتحرص الحكومة الإسرائيلية على تخفيض طفيف على أسعار المحروقات وذلك للحفاظ على استمرار تحصيل رسوم الجمارك و الضرائب المرتفعة, وهي تعتبر المستفيد الأكبر من الانخفاض المحدود على أسعار المحروقات داخليا, لأن ذلك يضمن لها تحصيل رسوم الجمارك وبقاء قيمة الضريبة على حالها، وبحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، فأن الإنفاق العام على استيراد الوقود السائل إلى إسرائيل خلال العام الجاري (2015) سينخفض بأربعة مليارات و (700) مليون دولار نتيجة انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية. و هذا المبلغ يوازي موازنة الحكومة الفلسطينية لعام 2015.
ولا يتأثر المستهلك الاسرائيلي بشيء إن ارتفعت أسعار الوقود أو انخفضت, حيث أن قيمة الحد الأدنى للأجور في إسرائيل 5000 شيكل، فيما يبلغ الحد الأدنى للأجور في الأراضي الفلسطينية 1450 شيكل وهو غير مطبق بشكل فاعل، وهو أقل من خط الفقر الوطني في فلسطين الذي يبلغ 2293 شيكل شهريا للعام 2011 , كما يوجد فجوة كبيرة بين نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى لدى الطرفين حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى في إسرائيل 33930 دولار, بينما يبلغ في المناطق الفلسطينية 1973دولار, وكل هذا بالرغم من التقارب الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية و الأساسية لدى الطرفين.
إن عدم انخفاض المحروقات في فلسطين بما يتناسب مع الانخفاض العالمي، يجعل المواطن الفلسطيني المتضرر الأكبر والوحيد وخاصة في قطاع غزة الذي يعاني من حصار خانق والعديد من الازمات و على رأسها أزمة الكهرباء الطاحنة التى تستنزف موارد المواطنين المعدومة من خلال استخدام المحروقات لتوليد الطاقة الكهربائية في ظل انقطاع التيار الكهربائي عن قطاع غزة لمدة 18 ساعة يوميا.
وبعد كل ذلك نعود مرة أخرى لطرح السؤال القديم للمرة المليون، إلى متى سوف نبقى أسرى ورهينة لاتفاقية باريس الاقتصادية العقيمة؟، و التى ساهمت في تحجيم دور السلطة الوطنية الفلسطينية وعدم سيطرتها على المصادر الطبيعية والمعابر الحدودية وربطت الاقتصاد الفلسطيني الناشئ ذات النمو الضعيف المحدود بالاقتصاد الإسرائيلي القوي ذات النمو الكبير والذي اعتبره البنك الدولي من ضمن أفضل الاقتصاديات في العالم.