د خالد عبد الحق
الفكر الداعشي ينمو ويترعرع في بقاع مختلفة من بقاع الأرض, ولم يقتصر نموه على البلاد الاسلامية, بل وجد له مرتعا حتى في أوروبا؛ وخير دليل على ذلك موجة الأعمال الارهابية التي شهدتها فرنسا مؤخرا, وحجم المقاتلين الوافدين من أوروبا, والذين يتدفقوا على الساحتين السورية والعراقية, في إشارة واضحة إلى أن هذا النمو يعبر عن مدى اتساع رقعة تمدد هذا الفكر التكفيري, واتساع ساحة استقطابه الفكري والأيولوجي, وتنامي ساحة عملياته التي لم تعد تقتصر على سوريا والعراق وليبيا وتونس وسيناء واليمن.
هذه الرؤية لجدلية تمدد الفكر الداعشي لا يمكن أن تكون بعيدة عن ساحة قطاع غزة, مهما حاولنا تجميل صورة وجوده فيها, أو استبعاد نموه في هذه الساحة, استنادا إلى عاملين رئيسيين: أولهما التقارب الايدولوجي مع رؤية الإخوان المسلمين لطبيعة الصراع في المرحلة الحالية مع الدولة العلمانية والقومية والقطرية, وضرورة ربطها بالدولة الإسلامية الواحدة كهدف مشترك لهما, وثانيهما وحدة القوى الداعمة لهما, سواء من قبل الدول الغربية أو القوى التي تسعى لفرض نفوذها الإقليمي كتركيا, باعتبارها المركز الجديد للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين, وسعيها نحو تحقيق أطماعها التاريخية في المنطقة, أو قطر والسعودية وصراعهما الاقليمي للبروز كقوى إقليمية فاعلة ومؤثرة وقادرة على صياغة القرار الإقليمي, ضمن معطيات وتحولات الصراعات في المنطقة.
العوامل السابقة إضافة إلى خصوصية الأوضاع في غزة تجعل دخول داعش إلى هذه الساحة أسهل من أن تطالها تعقيدات المكان والزمان, خاصة بعد تمددها ونموها وحالة شبه الاستقرار التي تعيشها في سيناء, الأمر الذي يعني هشاشة الحدود والجغرافيا أمام سيطرة داعش على غزة في الزمان الذي تراه وتحدده, خاصة في ظل عجز الجيش المصري عن القضاء عليها في سيناء, وطبيعة العلاقات الداخلية والخارجية الهشة والمضطربة التي تعيشها حماس.
وتلقي حالة العلاقات التنظيمية المتأزمة ما بين قيادة حماس نفسها في الداخل والخارج بظلالها على هذا المشهد, فيما تتأرجح في ذلك في العلاقة ما بين جناحيها العسكري والسياسي, والذي فرضته طبيعة رؤيتهما للعلاقة مع إيران؛ حيث يرى الجناح العسكري ضرورة العودة بالعلاقات مع إيران إلى سابق عهدها, خاصة وأن دور السلاح الإيراني كان بارزا في العدوان الصهيوني الأخير على غزة, كسلاح رادع وفارض للتوازن في المعركة, في حين يبقى الجناح السياسي أسيرا لتعليمات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين, مما يبقي الباب مفتوحا أمام تحول خلايا وعناصر تابعة للجناح العسكري لحماس للانخراط في صفوف داعش, فيما يرى البعض أن العديد من خلايا وعناصر حزب التحرير في غزة قد انضمت فعلا إلى داعش, مما يعني أن هناك بيئة مهيئة لتمدد الفكر الداعشي في غزة.
ومن الشواهد الحية على صحة هذا التحليل صدور أكثر من بيان لداعش في غزة موجهة للمثقفين والشعراء والأدباء وللمرأة, تدعو إلى التوبة والعودة لله, بل أن البعض يتداول في غزة ترخيص حماس لمسيرة لداعش في غزة, وإن صحت هذه الأقاويل فإن ذلك يعني أن داعش بدأت العمل المعلن في غزة.
كل ذلك جعل حماس تشعر بأن داعش حليف يمكن الاعتماد عليه لترسيخ حكمها في إمارة غزة, مما جعلها تعيد النظر في تحالفاتها الاستراتيجية الداخلية, وخاصة مع حركة الجهاد الإسلامي, حيث بدأت أجهزة حماس العسكرية بالتحرش بسرايا القدس, مما يعني محاولة حماس إقصاء الجهاد الإسلامي عن المشهد الغزي, الأمر الذي سيكون له انعكاسات خطيرة, ما لم تسارع حماس إلى ترميم هذه العلاقة وإعادة حساباتها, خاصة وأن عين إسرائيل على القطاع, في محاولة منها لاستعادة كرامتها العسكرية التي هزمت في غزة, والتي تدل المؤشرات على دور حركة الجهاد الإسلامي البارز في هذه المعركة.