تحقيق-محمد العرابيد
نقلا عن الرسالة نت
"بعد طلوع الفجر، تجمع الأطفال في مكب نفايات اليرموك وسط مدينة غزة، بحثا عن مواد بلاستيكية، بمختلف أنواعها"، المشهد ازداد وضوحًا عند الساعة الثامنة صباحًا، حيث بدأ الأطفال اعتلاء حاويات القمامة في مكب النفايات، كل واحد منهم مشغول ويريد أن يملأ "شوالاً" بحوزته قبل نقل سيارات البلدية القمامة إلى مكب جحر الديك وسط القطاع.
لم تترك الأوساخ والرائحة الكريهة مكاناً على جسد الأطفال إلا واستوطنته خلال نبشهم القمامة في مكب نفايات، ليبيعوها لمصانع البلاستك التي تعمل على إعادة تدويره من جديد.
مشهد الأطفال في مكب النفايات، وتجولهم في ساعات الصباح الباكر بحثًا عن مواد بلاستيكية بحاويات القمامة المنتشرة في شوارع مدينة غزة، دفع "الرسالة" إلى البحث والتقصي عن الغرض من جمع هذه المواد، وفيما يتم استخدامها مجددًا.
معد التحقيق باشر البحث، حيث اتضح من خلال معلومات أولية من شاب يعمل منذ 4 سنوات على جمع المواد البلاستيكية، أن المصانع تشتريها بعد جمعها، وتعمل على إعادة تدويرها "جرشها" من جديد، وتستخدمها في صناعات البلاستيك، دون أن تبادر على فرز المواد الخطرة منها، أو حتى تنظيفها بطرق صحية وفق الشروط.
دون تنظيف
معد التحقيق رافق الشاب خالد طبازة خلال بحثه عن مواد بلاستيكية في شوارع مدينة غزة، وبعد ساعات من البحث، تمكن من تجميع عدد كبير من "النايلون" وعبوات بلاستيكية، بعضها استخدمها مزارعون في رش المزروعات، وأخرى من مخلفات المستشفيات.
الشاب الذي يبلغ من العمر "24 عامًا" وهو حاصل على شهادة جامعية، قال لـ "الرسالة"، "بعد انتهائي من جمع البلاستيك، أبيعها إلى أحد المصانع لإعادة تدويرها مجدداً".
"الاقتصاد": بعض المصانع تخالف القوانين وتعمل ليلاً مما يصعب مراقبتها
وأضاف ردًا على سؤالنا عن أصناف المواد التي يتم تجميعها،" كل ما هو بلاستيك أجمعه، فتارة أجد كراسي، أو أواني طعام، أو علب مبيدات حشرية، وغيرها من الأصناف".
ورغم أن ملامح التعب والإرهاق ظهرت على الشاب، إلا أنه مصر على إكمال يومه لجمع أكبر عدد ممكن من مواد البلاستيك، ليبيعها مقابل مبلغ مالي قد يصل في بعض الأحيان إلى (45 شيكلًا).
ولم يجد الشاب الذي حالت الظروف دون أن يجد فرصة عمل، إلى جمع البلاستيك للتغلب على ظروف أسرته المعيشية الصعبة، بل يشارك المئات من الأطفال والشبان في مختلف مناطق غزة.
مواد خطيرة
وبعد حديث الشاب طبازة لـ"الرسالة" عن جمع المواد البلاستيكية التي يستخدم المزارعون بعضها في رش المزروعات، وأخرى تستخدم في المنظفات، وتحتوي على مواد كيميائية خطيرة، أجرى معد التحقيق جولة على مصانع البلاستيك "المجروش" برفقة أحد عمال المصانع، دون أن يكشف عن هويته.
معد التحقيق لاحظ خلال جولته على أكثر من 20 مصنعًا للبلاستيك "المجروش" طالت جميع محافظات قطاع غزة، أنه يتم تجميع مواد البلاستيك دون فرز العبوات التي استخدمت فيها مواد كيميائية خطيرة.
وكذلك لاحظ أن مصانع البلاستيك تكتفي بتنظيف المواد التي جمعت من الشوارع والحاويات بأحواض مياه كبيرة، لونها يميل إلى البني، من شدة تلوثها.
سلطة البيئة: البلاستيك المعاد تدويره يسبب أمراض السرطان
ووفق أحد العاملين في مصانع البلاستيك فإنه يتم تغيير مياه غسيل هذه المواد كل أسبوعين، وأن هناك إهمالاً من إدارة المصنع في تنظيف المواد البلاستيكية التي يجري جمعها من حاويات القمامة، حتى توفر الوقت وساعات العمل.
وهذا ما لاحظه معد التحقيق خلال جولته، حيث اكتشف أنه يوجد بعض الأوساخ على المواد البلاستيكية التي تدخل على ماكينة "الطحن"، وشاهد حشرات ملتصقة على المواد البلاستيكية بعد عملية "طحنها".
وشرح صاحب المصنع لمعد التحقيق المراحل التي تمر بها المخلفات البلاستيكية منذ شرائها من باعة ومتجولين، قائلاً: "يمر البلاستيك بعملية الجرش عن طريق الآلات الموجودة خصيصًا لهذه العملية، ومن ثم تغسل".
وأضاف: "يوضع البلاستيك في أحواض كبيرة، وهي أشبه بالغسالة، يدور فيها في عملية تنظيف لأكثر من مرة قبل أن ينتقل إلى مرحلة التنشيف وهي عملية مهمة، وبعدها يتم تشكيله على شكل حبيبات بلاستيكية تتعرض للتبريد لمدة 24 ساعة حتى تكون جاهزة للاستخدام".
البلدية: وزارة الاقتصاد والمباحث هي المسؤولة عن مراقبة مصانع البلاستيك
مخالفات المصانع
واتضح لـ"الرسالة" خلال الجولة، أن إعادة "جرش" البلاستيك لا تتم وفق المواصفات الصحية التي تضعها وزارة الاقتصاد، كون الأخيرة تمنع استخدام المواد البلاستيكية الخطيرة نهائياً، إضافة إلى عدم تنظيف المواد بطرق سليمة.
واكتشف معد التحقيق، أن هناك مخالفات من إدارة المصانع، بإهمال تنظيف البلاستيك بعد أن يتم شراؤه، واستخدامه في صناعات تحفظ فيها المواد الغذائية وتتعرض لدرجات حرارة عالية.
وكانت وزارة الاقتصاد الوطني في غزة أصدرت قرارًا سنة 2009، يقضى بمنع استخدام مادة البلاستيك "المجروش" في صناعة أوانٍ تستخدم فيها المواد الغذائية، وتتعرض خلالها لدرجات حرارة، كون ذلك يؤثر على صحة المواطنين، لذلك جرى إخضاع مصانع و"مجارش" لزيارات متكررة دورية ومفاجئة، من أجل التأكد من التزام أصحاب المصانع بهذه القرارات.
ويعلم أصحاب "مجارش" البلاستيك خطورة استخدام مادة البلاستيك المعاد تكريرها، في الأواني التي يستخدمها المواطن للغذاء، وتتعرض لدرجات حرارة، إلا أنهم مستمرون في استخدامها تحت ذريعة عدم سماح الاحتلال بإدخال المواد الخام.
"الرسالة" توجهت إلى مدير التنمية الصناعية في وزارة الاقتصاد المهندس محمد كلاب، للاستفسار عن آلية الرقابة على مصانع البلاستيك "المجروش"، وما المعايير التي تضعها الوزارة لاستخدام هذه المواد، وهل يلتزم أصحاب المصانع بقوانين الوزارة؟
وتعد صناعة البلاستيك إستراتيجية مهمة في قطاع غزة، حيث تدخل في كثير من الصناعات منها الأدوات المنزلية والنايلون وغيرها، وفق حديث كلاب.
وأوضح أن مصانع غزة تلجأ إلى استيراد مواد البلاستيك الخام من الخارج، وتدخل في جميع الاستخدامات ومنها الغذائية، وهناك نوع آخر من البلاستيك المعاد تكريره "المجروش" وهذا النوع يدخل في صناعات كثيرة أبرزها "الكراسي، والأدوات المنزلية" ويمنع استخدامها في الأدوات التي تحفظ بها مواد غذائية.
وتمنع وزارة الاقتصاد أصحاب مصانع البلاستيك في غزة من استخدام المواد المعاد تكريرها في الصناعات التي يتم فيها حفظ المواد الغذائية، والحلويات، وصواني الأرز، وتفرض رقابة مشددة، لما لها من مخاطر على حياة المواطن، حيث تكمن خطورتها عند تجميع المواد البلاستيكية وخلطها قبل "جرشها"، وفق كلاب.
إيقاف مصانع
وأضاف مدير التنمية الصناعية في الاقتصاد: "الصناعات التي تحفظ فيها المواد الغذائية، يجب أن تستخدم بها مواد خام بلاستيكية مستوردة عالية الجودة، كونها لا تحتوي على شوائب أو مواد كيميائية خطيرة".
ولفت كلاب إلى أن طواقم الوزارة تفحص المواد المصنوعة من البلاستيك ظاهرياً، دون اللجوء إلى المختبرات، حيث يتم معرفة المادة الخام المصنوعة منها، منوها إلى أنه يتم استيراد 100 طن من المواد الخام من الاحتلال شهرياً، في حين يستخدم 60 طنًا معاد تكريره شهريًا بغزة.
وأوضح أن هناك معيقات تواجه طواقم الوزارة تتمثل في منع دخول المواد الخام على غزة منذ ثلاثة شهور، وهذا يصعب علينا مراقبة المصانع، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي، مما يضطر بعض المصانع للعمل في أوقات الليل مما يصعب علينا الوصول لهم.
وأكد المهندس كلاب أنه جرى إيقاف على أصحاب مصانع لاستخدامهم مواد بلاستيكية معاد تكريرها، وجرى تحويلهم إلى النيابة العامة لاتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحقهم، مشيراً إلى أنه يوجد في قطاع غزة نحو 100 مصنع للبلاستيك، 30 منها فقط مرخصة.
هذا الأمر، يؤكد فرضية "الرسالة" بوجود مخالفات في استخدام مواد البلاستيك المكررة، وأن هناك مصانع تمارس "الغش"، من أجل إنتاج كميات أكبر بتكاليف أقل.
يشار إلى غياب خطة لإعادة تدوير النفايات في غزة، حيث ينتج القطاع كميات هائلة من النفايات الصلبة، تصل إلى نحو 480 ألف طن سنوياً لعدد من السكان يصل إلى مليوني نسمة، حيث يبلغ إنتاج الفرد اليومي من النفايات 1 كغم، وتزداد الكميات بزيادة عدد السكان.
ومن المتوقع أن يزداد العدد بحلول عام 2020 إلى 2.2 مليون نسمة، حسب إحصائية لسلطة جودة البيئة في غزة، حصل عليها معد التحقيق.
"المباحث": ضبطنا كميات كبيرة من الأواني البلاستكية غير صالحة للاستخدام
وخلال بحث "الرسالة" عن الجهات المسؤولة عن متابعة هذا الملف، حصل على معلومات من مصدر خاص في "الاقتصاد" تشير إلى أن هناك تقصيرًا في متابعة مصانع البلاستيك "المجروش" من قبل الوزارة.
واكتفى أحد المسؤولين، وهو مطلع على متابعة مصانع البلاستيك، تتحفظ "الرسالة" على اسمه، بالإشارة إلى إهمال واضح من الاقتصاد في متابعة مصانع البلاستيك "المجروش"، وفرض إجراءات صارمة بحقهم، بذريعة منع الاحتلال إدخال مواد خام لقطاع غزة.
مصدر آخر يعمل في أحد مصانع البلاستيك يتحفظ معد التحقيق عن ذكر اسمه، قال: "هناك مصانع تلجأ إلى العمل في أوقات الليل بذريعة انقطاع التيار الكهربائي، وتستخدم البلاستيك المعاد تكريره في صناعات تحفظ بها المواد الغذائية".
إلى جانب وجود تجار يطلبون من بعض المصانع صنع صوانٍ تستخدم في الحلويات والأرز إضافة إلى أواني حفظ الأطعمة، باستخدام البلاستيك المعاد تكريره، نظراً لانخفاض تكلفتها مقارنة باستخدام البلاستيك المستورد، وفق المصدر.
مصادر خاصة: وزارة الاقتصاد تهمل متابعة ملف مصانع البلاستيك
وتابع: "هناك مجموعة من عمال جمع البلاستيك، مهمتهم فقط جمع الصواني البلاستيكية السليمة، من حاويات القمامة، وشوارع مدينة غزة، وتنظيفها بالماء، ويتم إعادة بيعها من جديد للتجار".
أقوال المصدر لمعد التحقيق بوجود اتفاقات بين أصحاب المصانع والتجار، على استخدام البلاستيك المعاد تكريره في الصناعات التي تحفظ بها مواد غذائية، توافقت مع حديث المقدم محمد المعصوابي مدير مباحث التموين والمعادن الثمينة.
وقال المعصوابي لـ"الرسالة"، "قبل أسبوعين تم ضبط كميات كبيرة من صواني صنعت من مواد بلاستيكية معاد تكريرها، في أحد مطاعم المشهورة في مدينة غزة، حيث وجدت عليها آثار حشرات وبقايا نايلون، وهي غير صالحة للاستخدام".
وأوضح أن هناك تعاونًا مستمرًا مع وزارة الاقتصاد، مما يساعد في الكشف عن أصحاب المصانع الذين يستخدمون المواد المعاد تكريرها، مضيفًا: "أثناء جولاتنا الميدانية نفتش على المطابخ والمطاعم داخل مدينة غزة للتأكد من سلامة المنتوجات المصنوعة من البلاستيك، والتي تستخدم في حفظ المواد الغذائية".
وعن الإجراءات المتبعة، أشار المقدم المعصوابي إلى أنهم يحذرون أصحاب المصانع من استخدام هذه المواد، وفي حال لم يلتزموا بالقرار يجري فرض غرامات مالية عليهم تحددها النيابة العامة وفقس القانون الفلسطيني.
وأكد أنه في الآونة الأخيرة عقد اجتماع بين النيابة العامة ووزارة الاقتصاد ومباحث التموين، لوضع رؤية لاتخاذ إجراءات مشددة ضد تجار ومصانع تستخدم البلاستيك المعاد تكريره، وخاصة الذي يشكل خطراً على حياة المواطنين.
إهمال قوانين
وفي جولة أخرى لمعد لتحقيق برفقة وزارة الاقتصاد هذه المرة، على مصانع البلاستيك في غزة، حيث تم زيارة مصانع منها تعمل على "جرش" البلاستيك في قطاع غزة.
وفي الزيارة الأولى لأحد المصانع في المنطقة الصناعية شمال القطاع، كان المصنع فارغًا من العمال ومتوقفًا عن العمل، وذلك بسبب انقطاع التيار الكهربائي، حيث يرتبط العمل داخل المصنع بجدول الكهرباء المعمول به بغزة.
ويعمل هذا المصنع على إنتاج جميع الصناعات البلاستيكية، أبرزها التي تتعلق بحفظ المواد الغذائية ويعمل فيه 15 عاملًا، لمدة 8 ساعات يوميًا، وفق ما ذكره صاحب المصنع.
وعن كميات المواد الخادم التي يستخدمها شهريًا، أوضح أنه يستهلك أقل من 2طن من البلاستيك المستورد، في حين يستهلك أكثر من 15 طنًا من البلاستيك "المجروش".
وردًا على سؤال "الرسالة" فيما إن كان تستخدم مادة البلاستيك "المجروش" في صناعة الأواني الغذائية؟، أجاب "لا أستخدمها مطلقًا ونحن ملتزمون بقوانين الوزارة".
لكن وجود الـ 15 طنًا من البلاستيك "المجروش"، تتنافى مع حديث صاحب المصنع، حيث لاحظنا وجود كميات كبيرة من الأواني الغذائية جاهزة للتسويق.
شكوكنا وتساؤلاتنا لم تستمر لأكثر من دقيقة، حيث أقدم أحد المختصين على فحص الأواني بالعين المجردة، وطلب من صاحب المصنع أن يأخذ عينة ليجري فحصها.
وعند سؤالنا المختص هل هي مصنوعة من البلاستيك المجروش؟ رد قائلًا: "هناك شكوك عالية، لذلك اصطحبت عينة لفحصها برفقة الطاقم المختص في الوزارة". وأشار إلى أن الفحص يتم بالنظر لها بالعين وشم رائحتها، لأن الوزارة تفتقد إلى مختبرات بسبب الأوضاع الصعبة التي تمر بها الحكومة في غزة، وهذه إحدى العقبات التي واجهت معد التحقيق ليتسنى له إجراء فحوصات لمعرفة خطورة هذه المواد.
وأثناء زيارة "الرسالة" لباقي المصانع برفقة طاقم وزارة الاقتصاد في مدينة غزة، لاحظ أن جميع المصانع تستخدم كميات كبيرة من البلاستيك "المجروش" تصل إلى 18 شهريًا بالمقارنة مع استخدامها طنًا واحدًا من البلاستيك المستورد.
ويؤكد معد التحقيق معتمدًا على نتائج ميدانية توصل إليها من خلال زيارته الميدانية على مصانع البلاستيك في غزة، أن كثيرًا من مصانع البلاستيك في القطاع تستخدم البلاستيك المجروش في صناعة الأواني الغذائية وصواني الحلويات والأرز وغيرها، لكن بكميات مختلفة، دون علم وزارة الاقتصاد.
البلاستيك "المجروش"
وقد لا يتبادر إلى أذهان المواطنين في غزة أن أغلب المنتجات البلاستيكية التي بين أيديهم ويستخدمونها بشكل يومي خطر يداهم حياتهم، لاسيما المعاد تدويرها بشكل خاطئ، وذلك لغياب منظومة تدوير متقدمة في القطاع تعمل على إعادة استخدام البلاستيك مرة أخرى بشكل صحي.
وأثبتت دراسات وأبحاث علمية وفحوصات مخبرية، أن بعض المنتجات المعاد تدويرها بطرق خاطئة لاسيما التي تُجلب مكوناتها من مكبات القمامة ومخلفات المستشفيات والمصانع تُخرج موادًا كيميائية مسرطنة تتفاعل وتتسرب داخل الأغذية والأشربة؛ عدا الضرر الذي تلحقه بالبيئة والكائنات الحية.
وهذا ما اتفق عليه محمد مصلح مدير دائرة النفايات الصلبة في سلطة جودة البيئة، حيث قال "البلاستيك من أخطر المواد الصناعية تأثيرًا على الإنسان، وتحتوي على مواد كيميائية تتفاعل مع الحرارة".
وأوضح مصلح في حديثه لـ"الرسالة" أن مشكلة البلاستيك المعاد تكريره في غزة، تكمن في جمعه من النفايات وشوارع المدينة دون معرفة أي تفاصيل عن هذه العبوات التي قد تحمل آثار مواد كيميائية وأدوية.
وأكد أن أغلب مصانع "جرش" البلاستيك في مدينة غزة، تتجاهل فرز هذه المواد، أو تنظيفها بشكل سليم وفق المواصفات الصحية التي تضعها وزارة الاقتصاد، وهنا تكمن الخطورة على المواطن.
وأضاف مصلح: "المواطن في قطاع غزة يوميا يتأثر بمخلفات البلاستيك المعاد تكريره كونه يستخدم في كثير من الصناعات أبرزها النايلون الأسود والأواني المنزلية، وصواني الأرز والحلويات".
وأكد أن الأدوات المنزلية، وصواني الأرز والحلويات وغيرها، التي تتعرض لدرجات حرارة، تتحول إلى سم قاتل، لأن المواد الكيميائية تتفاعل مع درجات الحرارة، وتسبب أمراضاً أخطرها السرطان. ونصح مدير دائرة النفايات الصلبة في سلطة البيئة، مصانع البلاستيك في غزة، بعدم استخدام مادة البلاستيك المعاد تكريرها لما لها من خطورة على المواطن في غزة.
"الاقتصاد" مسؤولة
جولة البحث عن الجهة المسؤولة عن مصانع البلاستيك، قاد "الرسالة" إلى بلدية غزة، باعتبارها المسؤولة عن ترخيص هذه المصانع، وهناك قال رشاد عيد رئيس قسم مراقبة الأغذية والتراخيص المهنية والصحية في البلدية، "إن مراقبة المصانع هي اختصاص وزارة الاقتصاد ومباحث التموين".
وأشار عيد في حديثه مع "الرسالة" إلى أن طواقم البلدية تجري حملات رقابية على مصانع البلاستيك من الناحية الفنية ومعايير السلامة. وذكر عيد أن البلدية لا تعطي تراخيص لمصانع البلاستيك، إلا بعد أن يحصل أصحابها على ترخيص معتمد من الاقتصاد.
وترتبط خطورة منتجات البلاستيك بشكل كبير باحتوائها على مواد تسمى "فثاليتات" (phthalates) وهي مواد تضاف إلى البلاستيك أثناء تصنيعه لزيادة مرونته، وتتسلل هذه المواد من البلاستيك إلى الهواء والطعام وحتى البشر، مما يشكل خطرًا على حياتهم.
المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية في الولايات المتحدة، حذر من أن استخدام أوانٍ بلاستيكية لتسخين الأغذية في الميكروويف مضر بالصحة، إذ إن درجات الحرارة المرتفعة تسبب انفصال مركبات كيميائية مضرة تحتوي عليها هذه الأواني ومن ثم تختلط بالغذاء.
وأكد العلماء أن المواد الموجودة في البلاستيك تؤثر سلبًا في عمل الغدد الصماء، ومع مرور الوقت تسبب مشاكل صحية معقدة مثل أمراض المناعة الذاتية والربو والبدانة والسكري والعقم وبعض أنواع الأمراض السرطانية.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد نشرت العام الماضي تقريرًا بالتحذير نفسه وصف حوالي ثمانمائة مركب كيميائي تدمر نظام الغدد الصماء، إذ إن اختلاطها بالمواد الغذائية يضر بالصحة جدًا.
وحسب رأي العلماء، فإن أخطر أنواع هذه المركبات هو أملاح وإسترات حمض الفثاليك (الفثالات) و(بيسفينول أ) الموجود في عديد من المنتجات، ومنها الأواني المصنوعة من البلاستيك الخاصة بحفظ وتسخين المواد الغذائية.
وكانت اللجنة الأوروبية المسؤولة عن الأمن الغذائي قد منعت عام 2011 استخدام مادة "بيسفينول أ" في صنع عبوات مشروبات الأطفال، بسبب تأثيرها السيئ على الكبد والكلى وغيرها، كما تم منع استخدام "الفثالات" منذ عام 2005 في أوروبا ومنذ عام 2008 في الولايات المتحدة، ومع ذلك ما زالت تستخدم في صنع عديد من الأشياء الأخرى، مثل مثبتات الشعر وطلاء الأظافر، وحتى في بعض أنواع الأنابيب المستخدمة في الطب.
إجراءات صارمة
ويعتمد قطاع غزة، بصورة أساسية، على استخدام البلاستيك في مجمل استخداماته اليومية، كالأواني والأكواب وأكياس النايلون ولعب الأطفال؛ وغيرها من المنتجات البلاستيكية التي لا غنى عنها في حياتهم.
واستنتاجًا مما سبق، فإن حجم الضرر الذي يهدد صحة المواطن في غزة وسلامته، من غياب الرقابة على مصانع البلاستيك بالقطاع، يفرض المبادرة بتشكيل لجنة من الجهات المختصة تكون مهمتها متابعة مصانع البلاستيك، وإجراءات توضح عمل المصانع وآلية استخدام هذه المواد.
إضافة إلى فرض قانون يمنع استخدام المصانع البلاستيك "المجروش" في الصناعات الغذائية، إضافة إلى عدم إغفال رفع مستوى الوعي لدى المواطنين حول خطر هذه المواد المستخدمة في أواني الطعام.
كذلك يجب على الجهات المعنية في وزارة الاقتصاد بوضع برنامج للتفتيش على مصانع التجار باستمرار، وتفعيل دور المختبرات المتخصصة بإجراء البحوث العلمية، إضافة إلى تقليل استخدام هذه المواد في الأواني الغذائية، وإيجاد حلول مناسبة لإدخال البلاستيك المستورد لقطاع غزة لإنهاء هذه المشكلة.