"سبعة من بين تسعة لرؤساء هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، عينوا منذ 1974، كانوا من قادة وحدة المظليين، تبوؤوا مراكز حساسة في كتيبة رئاسة الأركان، ستة من قادة الهيئة من وحدة المظليين، أربعة من القوات المدرعة، وثلاثة من سلاح الجو".
شكلت هذه المقدمة لمحة هامة لإبداء طبيعة تقلد المناصب في الجيش الإسرائيلي، ووفقا لما نقله أحد المحللين العسكريين الأكثر شهرة في إسرائيل، فإن الجنود المزاولين لخدمتهم العسكرية، حتى الضباط صغار السن، يتعاملون إلى وقت قريب مع الرتبة العسكرية على الكتف بكامل الجدية، انطلاقا من قاعدة قديمة، وصل إليها كل منخرط في الخدمة، مفادها أنه إذا لم تقدر قيمة الرتبة التي توضع على كتفك، من المحظور أن تضع قطعة القماش هذه على كتفك هذا!
الجنرال عمانوئيل فيلد، الباحث الاستراتيجي، لخص في كتابه "أزمة الأدوات المحطمة"، قائلا: "المميزات الفاقعة للجنرالات الإسرائيليين هي تعبير صارخ عن النقص الحاصل في صلب عملهم، الجيش الإسرائيلي من الجيوش المشغولة في العالم، التي أديرت الكثير من معاركه من قبل جيوش أجنبية.
وبالتالي كانت الإضافة المجدية له في مجالي المعرفة العسكرية والحرب هي "صفر"، واكتسب فعاليته
بصورة يومية، دون خلفية نظرية، أو بناء على أبحاث يتم إجراؤها، أو عصف فكري يحدث داخل أروقته".
هذا تعبير واضح وجلي عن الموقع الخيالي الذي يوضع فيه الجيش الذي يجد نفسه متواجدا طيلة الوقت في إدارة الحروب، فمن يثبت امتيازه في ساحة المعركة، وهو الامتحان الأعلى لجميع المقاتلين والضباط، سيحظى بالترقيات في المناصب العليا والملائمة له.
ولذلك، فإن المناصب القيادية التي تعدّ في جيوش أخرى العمود الفقري للتأهيل العسكري للجنود والضباط، تعدّ في نظر الجيش الإسرائيلي مجرد تضييع وقت في طريق الوصول للمنصب القيادي القادم، جميع المواقع في الجيش تشهد على هذه الحقيقة، باستثناء سلاح الجو؛ لأنه بعد حرب 1973 قرر الجنرال "بيني بيلد" أن يثبت أهمية موقع القيادة من خلال طريقة بسيطة، فقد أخذ لسلاح الجو أفضل الجنود وأكثرهم عطاء، وبعد تأديتهم للخدمة العسكرية العادية، عينهم في مواقع محببة في قيادة الطائرات والمواقع العسكرية، وبسرعة ملفتة تحولوا لذوي مكانة عالية في أوساط الجيش.
ليس المقصود بإيراد هذه الأمثلة هو الاستهتار بالقدرات التي أبداها أولئك القادة، ونجاحاتهم في الميدان، لكنه يدل دلالة دامغة، وفي الوقت ذاته محرجة، على سرعة الانتقال من منصب قيادي في الجيش لمنصب أعلى منه بصورة ملحوظة، دون أن تمر بتأهيل يتناسب مع هذا الترفيع والترقية في المواقع المتقدمة في الجيش، هذه الأمور متعلقة بالتأكيد بتعريف القيادة العسكرية.
وتبعا لتلك القناعة، يتم اختبار قدرات ضباط الجيش فقط من خلال نجاحهم في إدارة المواقع والمناصب التي يتولونها، ولكن في ظل جيش يقلل أصلا من تدريباته الواسعة، فإن مسألة تقدير هذا النجاح في هذه القدرات شيء نظري أكثر منه عملي، ويمكن تقديره حسب معايير خيالية.
ومنها على سبيل المثال: الضابط أيا كانت رتبته العسكرية يجب ألا ينام قبل الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ويعود إلى بيته بعد عودة آخر جندي، ويعمل على تحصيل من هم تحت قيادته التأهيل المطلوب، في الجيش الإسرائيلي يعدّ الضابط كل شيء فيه، وبالتالي تبنى الوحدة التي يقوم بقيادتها بناء على شخصيته وطبيعة تأهيله.
هناك ملاحظة هامة تتعلق بأن السنوات الأخيرة شهدت إلغاء لاختبارات الأهلية والكفاءة، التي اعتبرت شرطا لمنح الترقية، حتى لمن يعتبرون من الضباط الكبار، لتحقيق نموذج شخصي لمن يقوم على قيادتهم.
ولذلك ليس غريبا أن يتفاجأ المرء بأن العديد من ضباط الجيش، بمن فيهم البارزون، يجدون "صعوبة" في إلقاء محاضرة، وتقديم موضوع بشكل مقبول في عالم التجارة والأعمال، عدد غير قليل منهم يجدون صعوبة في الظهور أمام وسائل الإعلام العالمية.
ومعظم من يتقنون هذه المهام يؤدونها انطلاقا من قدرات تأهيلية شخصية فطرية فقط، معرفتهم وفهمهم لطبيعة عمل وسائل الإعلام متدنية جدا، وكيفية عملها لخدمة جماعات المصالح، رغم أنها تلازمهم في تقدير الوضع العام للدولة بصورة دائمة.
ولتجاوز العيوب في بنية الجندي والضابط التأهيلية، قدم الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة مقترحات لإعداد خطط تعليمية غزيرة، جزء منها يتم تقديمه للجنود والضباط وهم ما زالوا يرتدون الزي العسكري، فيما يقدم الجزء الآخر لأولئك المشتغلين في المجال المدني.
ووفقا لهذه الخطط، تستغرق فترة تأهيل الطيار في سلاح الجو إنهاءه لدورتين أكاديميتين، كما أقيمت خصيصا كلية لإكمال التأهيل الرسمي لقادة الوحدات القتالية الناشئين.
وهناك أحاديث يتم تداولها في أوساط الجيش، عن إمكانية توحيد "كلية الأمن القومي"، ودمجها مع خطط تقدم حاليا لتأهيل ضباط كبار برتبة عقيد وما فوق، ممن يتولون مناصب عالية، ولكن بصورة غير مفاجئة، نسبة الذين يتلقون هذه الدورات التدريبية التأهيلية ممن هم في الدرجات العسكرية المتدنية أعلى من الضباط الحاملين للرتب العسكرية العالية، ويمسكون بزمام مهمات خطيرة على مستوى الدولة، ولذلك ربما فقط من يقرر أن مستقبله موجود داخل المؤسسة العسكرية هو من يجد نفسه منخرطا في هذه الدورات.
هذه الظاهرة تأتي لتشكل تعبيرا واضحا عن العقلية السائدة، وهي أن مسألة الخدمة العسكرية في الجيش ليست صيغة مهنية بقدر ما هي خيار للجندي -المواطن، الذي يستطيع دائما ترك القاعدة العسكرية، والعودة لبيته وقتما أراد.
وفقط في بعض المؤسسات المعروفة داخل الجيش، يوجد هناك بعض الدورات والخطط التدريبية نصف السنوية، التي تأتي جميعها نتيجة لفكرة طرأت في ذهن هذا الجنرال أو ذاك، وتجاهل إجراء هذه التدريبات والدورات القيادية له علاقة وثيقة جدا بالنموذج الذي يمثله؛ لأنه لفترات قريبة فإن الجيش ليس هو الكيان الذي تم اختياره على يد من سيكون على رأس قيادته نهاية الأمر.
ومعظم الضباط رفيعي المستوى، في الماضي والحاضر، لم يكونوا على اطلاع بما يدور في أروقته من إجراءات يتم إعدادها لتأهيل جنودهم؛ لأن خيارهم بالالتحاق بالجيش كعملية متسلسلة من تلقاء نفسها.
ولذلك، ونتيجة لعدم الاهتمام بالجانب التأهيلي، لم يسمع أحد عن ضابط مقاتل توقف تقدمه العسكري في الجيش نظرا لأن درجاته في الجامعة التي يدرس فيها متدنية، أو لعدم قدرته على خوض التدريبات اللازمة للتأهيل الحقيقي له، أو لأنه لم يتمكن من اجتياز اختبار مقالي في موضوعات عسكرية بحتة!
الأمر الأكثر الخطورة المتعلق بالتعيينات داخل الجيش، لا سيما في المناصب العليا، يكشف النقاب عن أنه لفترات قريبة جدا، فإن المعيار الأساسي فيها يتم وفق "تفضيلات" شخصية، أو في ظل نقص المعايير الإدارية المتعارف عليها، والبديل المهني المطروح على الجيش لتجاوز هذه المشكلة هو الجدل المحوري الذي يطرحه عدد من الضباط الناشئين؛ لأن إيجاد هذا البديل سيشرف على تخريج آلاف الضباط الجدد سنويا، ممن هم مقدمون على خدمة إلزامية لمدة عام واحد، وعاما آخر يتلقون فيه دورة تدريبية أولية.