الرئيسية / قسم5
البلدة القديمة في عصيرة الشمالية تعوم على بحر من المياه العادمة
تاريخ النشر: الأثنين 26/03/2018 17:11
البلدة القديمة في عصيرة الشمالية تعوم على بحر من المياه العادمة
البلدة القديمة في عصيرة الشمالية تعوم على بحر من المياه العادمة

كتبت: تسنيم ياسين
تنتهج بلدية عصيرة الشمالية منذ ما يزيد على الخمس سنوات سياسة ترميم لمرافق البلدة القديمة في البلد، في خطوة لتثبيت سكان المنطقة في بيوتهم التي يزيد عمر بعضها على الـ100 عام، وذلك بإشراف هندسي دقيق للجمع بين الترميم والحفاظ على روح التاريخ.
لكنَّ ما تتمتع به العين من مناظر البيوت التي تجمع الحاضر بالتاريخ، لن يسد الأنوف عن رائحة تفسد كل محاولة تجميل ما فوق الأرض، فما تحتها هو بحر من المياه العادمة التي تنبعث رائحتها النفاثة من الحفر المنتشرة.
مشكلة الصرف الصحي في عصيرة الشمالية هي معضلة تمتد إلى عشرات السنوات، فبلدة تزيد مساحتها على ـ39 ألف دونم، بعدد سكان يصل إلى 12 ألف نسمة، تنعدم فيها شبكة التصريف الصحي، وتعتمد اعتماداً كاملاً على الحفر الامتصاصية.
في البداية لجأ سكان البلدة إلى الحفر الامتصاصية بجانب البيت مع فتح مجال لها بالتربة، يتم تغطيتها بالحجارة أو بقايا الخشب، العشوائية كانت سيدة الموقف فكل من أراد يحفر ويبني، ومع العدد القليل للسكان آنذاك استطاعت أن تستوعب كمية المياه العادمة وتصرفها، ولكن الحال تغير.
فمع ازدياد عدد السكان وطبيعة الأرض الصخرية للبلدة، انقلبت الحفر من مصرف إلى مصدر للتلوث والروائح الكريهة، ليتفاقم الوضع إلى تسرب المياه العادمة لمياه الآبار وتحرم البلدة من مصدر أساسي للمياه.
رئيس بلدية عصيرة الشمالية المهندس حازم ياسين يقول في مقابلة مع أصداء: "نحن نعيش كارثة بيئية حقيقية، ففي البلدة القديمة خسرنا مصدراً لجمع المياه العذبة بسبب تسرب العادمة إليها ما نتج عنه عجز حقيقي لدينا في المياه، بالإضافة إلى المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي يسببها غياب شبكة صرف صحي".
في اليوم الواحد يتم نضح ما بين 20-25 ألف كوب من المياه العادمة من خلال 4 سيارات منها واحدة تعود ملكيتها للبلدية.
سميرة السليم هي إحدى ساكنات البلدة القديمة تشكو الوضع لأصداء قائلة: "كل أسبوعين نطلب سيارة المياه العادمة تكلفنا النقلة الواحدة 60 شيكلاً، أي أننا كل شهر نتكلف ما يصل إلى 120 شيكل فقط على النضح، هذا إن لم نحتج إلى أكثر من نقلة في اليوم".
أما بالنسبة للأضرار الاجتماعية فلا يخلو أسبوع من جدال يصل إلى حد القطيعة بين الجيران بسبب تسريب الحفر الامتصاصية للمياه العادمة في الشوارع، مع ما يرافقها من رائحة كريهة تسبب الضيق للسكان، تتابع سميرة: "كل أسبوع تفيض حفرة بيت الجيران لتلوث الشارع فلا نستطيع السير ولا نهنؤ بعيشنا، ويتأخرون في نضح الحفرة ما سبب القطيعة بيننا وبينهم، لتصل إلى حد الشتائم والصراخ".
أما في حارة أخرى من البلدة فلم يصل الأمر إلى القطيعة بسبب مراعاة الجيران لبعضهم لكن يكفي أنك إن جئت على سيرة مشكلة المياه العادمة فسيتبادل السكان النظرات ويشيرون إلى عمارة يسكنها أكثر من خمس عائلات يضطرون للنضح كل أسبوعين، حينها يغلق كل الحي نوافذه.
بعد النضح يتم إلقاء المياه في الوديان وبين الزيتون، لتخلق مشكلة بيئية وصحية تلاحق السكان القريبين من المكان.
الدكتور أحمد ياسين يوضح أخطار مياه الصرف الصحي: "مياه الصرف الصحي هي مأوى للحشرات والبكتيريا الضارة، لا يتوقف أثرها على التسبب بضيق التنفس وانتشار حالات الربو بين السكان بل قد يصل الأمر إلى بكتيريا خطيرة تسبب الشلل ومضاعفات لا يمكن حصرها، كذلك فإن الأثر على الحوامل والأطفال مضاعف فمناعتهم أقل من مناعة غيرهما".
وفي حالات نادرة كانت الحفر الامتصاصية غير المغلقة بشكل آمن سبباً في وفاة أطفال سقطوا فيها دون أن يستطيع أهلهم اللحاق بهم، إحدى الحالات ما كان في سنة الـ95 حيث سقط الطفل أحمد حمادنة وهو بعمر السنتين في الحفرة التي لم تكن مغلقة، لتظل حسرة فقدانه في قلب أمه.
كحل مؤقت لجأ السكان إلى الحفر الامتصاصية الصماء المحاطة بالإسمنت والخرسانة المسلحة، ولكن بحسب المهندس حازم ياسين فإن البلدية غير قادرة على إلزام الناس "لأننا إن أردنا إلزام أحد المقبلين على البناء بتسليح الحفرة وتغطيتها بالإسمنت سيتحجج بالآخرين كونهم ما زالوا على الحفر غير الصماء".
لكن الحفر الصماء لم تغير الوضع جذرياً لذلك فإن البلدية منذ خمس سنوات تبحث مشروع بناء شبكة صرف صحي تغطي البلدة بأكملها، بالتعاون مع بلدية نابلس.
المهندس أشرف سلامة، مهندس مشاريع المياه في البلدية يوضح تفاصيل المشروع بأنه "يقوم أساساً على إنشاء خط ناقل للمياه العادمة يصل إلى محطة المعالجة الغربية في نابلس، وسيتم على ثلاث مراحل من المحطة الغربية إلى مركز البلد ثم إلى البلدة القديمة، وفي المرحلة الثالثة يتم تغطية كل البلدة وأطرافها".
ولكن منذ خمس سنوات وإلى الآن ما تزال تبحث عن تمويل للمشروع الذي تظهر خططه أن تكلفته ستزيد على الـ6 مليون دولار، لا تستطيع البلدية تغطيتها، وفي آخر اجتماع بين رئيس البلدية ووزير سلطة المياه المهندس مازن غنيم أشار المهندس حازم ياسين إلى الحاجة الملحة لهذا المبلغ.
ومن جهته أكد الوزير غنيم أن وزارة المياه تسعى إلى سد احتياجات البلدات المختلفة وتأمين شبكة الصرف الصحي، وستعمل بكل جهدها من أجل تأمين التمويل اللازم للمشروع.
ويرى المهندس سلامة أن المبلغ إن لم يتم تأمين التمويل اللازم له من مصادر خارجية فإن البلدية تستطيع أن تلزم المواطنين بمبلغ يصل إلى 600 دينار خلال ستة أشهر، ويتابع: "أنا متأكد من أن أهالي البلدة مستعدون لتغطية الحاجة المالية للمشروع على أن يروا أن المشروع مطروح بشكل جدي على أرض الواقع".
ويتوقع لهذا المشروع إن تم تأمين المبلغ اللازم له أن يأخذ أربع سنوات حتى يتم بشكل نهائي، وبالتالي لا يتبقى أي حفرة امتصاصية في البلدة، ويوجه المهندس حازم ياسين السكان إلى ضرورة تقليل استهلاك المياه لتقليل كمية المياه العادمة.
من جهتها أكدت هناء بيراوي على استعداد المواطنين لحل الأزمة والدفع شهرياً، "فكما ندفع المياه والكهرباء والنفايات سندفع لخطوط الصرف الصحي، بدلاً من أن أدفع المبلغ نفسه على سيارات النضح شهرياً".
في الضفة الغربية تخلو أكثر من 70% من التجمعات من شبكات الصرف الصحي المجهزة والقادرة على تحمل الشتاء والصيف، وهو ما يثقل كاهل المواطن الفلسطيني مع تجدد مأساة فيضان الحفر في الشوارع.
 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017