نشر موقع "أل سي إي" الفرنسي تحقيقا بقلم شارلوت إنغلاد حول الطريقة التي يعمل بها الدماغ لينسى أو يتذكر بعض الحوادث التي أثرت في الشخص تأثيرا قويا كالاغتصاب أو الحوادث المؤلمة أو غيرها.
وقد أوردت الكاتبة قصة فلافى فلاماه التي تجرأت بعد سنوات من الكتمان على التحدث عن حادثة اغتصابها حين كان عمرها 13 عاما فقط من قبل المصور ديفيد هاملتون، في حادث طغى عليه النسيان كليا لمدة عشرين عاما، حتى جاء ذلك اليوم الذي رأت فيه بالصدفة صورة ذلك المصور فبدأت تتذكر تلك الحادثة الصادمة، وسنة 2016 أصدرت كتابا بعنوان "المأساة" وقد أعد فيما بعد للإخراج التلفزيوني.
وعام 2014 قام تجمع "توقفوا عن الإنكار" بإجراء تجربة على 1214 ضحية عنف جنسي، كشفت أن نسبة 37% من الضحايا القاصرين وقت الحادثة فقدوا ذاكرة ما حدث لهم حتى سن الأربعين بالنسبة لبعضهم.
ولتفسير هذه الظاهرة التي يمكن أن نسميها بظاهرة الثقوب السوداء الشائعة، لجأ الموقع الإلكتروني إلى لوربيرت جفارد عضو المجلس العلمي لمرصد "بي 2 في" للذاكرة وعلم الأعصاب.
يقول جفارد إن العلماء أثبتوا منذ زمن -من خلال تجارب مخبرية- أنه يمكن أن ننسى بطريقة طوعية أو محفزة. وتعتمد التجربة الأولى على الترميز، إذ تعرض على الخاضعين للتجربة سلسلة من الكلمات بعضها متبوعة بالأمر "تذكر" والأخرى "انس".
وبعد مرور بعض الوقت، لاحظ العلماء أن الكلمات التي أمر بتذكرها قد تم تذكرها بشكل جيد، ويقول جفارد إن الدماغ يقوم بتكرار عقلي يعزز ترميزه، فعندما يطلب منا عدم تذكر شيء فلن يقوم الدماغ بالتكرار الذهني ويكون الحدث المعني غير قادر على الولوج إلى الذاكرة طويلة المدى.
أما التجربة الثانية فتعتمد على الاستدعاء، حيث يقوم الشخص بالربط بين كلمتين ثم تقدم إليه الكلمات ويطلب منه أن يفكر في بعض الكلمات المربوطة بها، وألا يفكر في البعض الآخر. وقد لاحظ العلماء أن تذكره للكلمات التي طلب منه ألا يفكر فيها أضعف بكثير من تذكره للكلمات التي طلب منه أن يفكر فيها.
محو الذاكرة
ويشرح أخصائي الأعصاب السبب قائلا إن الشخص عندما يحاول تذكر شيء ما تصبح ذاكرته قابلة للتأثر، مما يجعله قادرا على التحكم في محتوياتها، إما بتعزيز ما يحب أن يثبّته من ذكريات أو ذكريات لا يحبها.
ويقول عضو مجلس المرصد إن هذا ما جرى بالضبط مع فلاماه ومغتصبها، حيث منعتها شهرته وصورته الإيجابية من التفكير في صورته السلبية الإجرامية.
كيف يترجم الدماغ عملية النسيان؟ يقول جفارد إن قشرة الفص الجبهي بالمنطقة الأمامية من الدماغ -التي تعمل خلال كل عمليات الحفظ من ترميز وتوطيد وتذكر- تعرف نشاطا مكثفا يمكن قياسه بواسطة الأجهزة الكهربائية خلال عملية النسيان، ويضعف هذا النشاط من قدرة الحصين الذي يقع تحت سطح القشرة ويلعب دورا مهما في عمليات الحفظ سواء عن طريق التكرار العقلي أو الاستدعاء، وفي جميع الحالات يتم النسيان بطريقة تدريجية مع مرور الوقت.
ووفق تقرير موقع "أل سي إي" فقد أصبح من الممكن علميا محو الذاكرة عن طريق حقنة عادية تمت تجربتها لدى الحيوانات، وذلك عبر عزل العصبونات التي تتحكم في خلق الرابط الذي يحتفظ بالذكرى وحقنها ببروتين يخفي من الذاكرة ما كان محفوظا عن طريقها، إلا أن هذه الطريقة لم تختبر على الإنسان حتى الآن.
المصدر : الصحافة الفرنسية