قبيل ما يقارب شهراً ونصف شهر على إجرائها في التاسع من نيسان/ أبريل المقبل، يبدو غياب الحسم هو الغالب على مشهد الانتخابات الإسرائيلية، التي باتت أكثر ديناميكية مع تسارع مستجداتها على نحو لم يكن متصوراً حين تقرّر إجراؤها، وتحديداً في ما يتعلق بالتنافس على رئاسة الوزراء، بين رئيس حزب «الليكود» بنيامين نتنياهو، ورئيس «حصانة لإسرائيل» بيني غانتس.
جراء هذه الديناميكية، لم يعد بالإمكان الحديث عن فوز تلقائي لليمين، خاصة بعدما اتّحد عدد من منافسي «الليكود» من خارج اليمين ضمن لائحة انتخابية واحدة: حزب رئيس الأركان السابق غانتس، وحزب وزير المالية السابق يائير لابيد (يوجد مستقبل)، إضافة إلى وزير الأمن السابق موشيه يعلون (يقود حزب «تيلم» المستحدث)، مع انضمام رئيس الأركان السابق غابي أشكنازي إلى اللائحة محتلاً الموقع الرابع.
هذه التشكيلة التي يحكى أنها ستكون منافسة لنتنياهو وبإمكانها إسقاطه، مكوّنة من خلطة شخصيات متباينة، وعلى خلاف غير بسيط على المستويين الشخصي والسياسي، وإن كان يجمعها هدف واحد: إسقاط نتنياهو. كذلك، تجمع تلك الخلطة الوسط ويمين الوسط واليسار، وـــ للمفارقة ـــ اليمين أيضاً.
وتشير التقديرات حتى الآن إلى إمكان فوز اللائحة بعدد أكبر من المقاعد مما هو مُقدّر لـ«الليكود» وحلفائه، ومن ثم تسمية رئيس اللائحة، بني غانتس، لتشكيل الحكومة بدلاً من نتنياهو. لكن، هل سيتمكن الأول فعلاً من تشكيلها؟ المهمة ستكون شائكة وصعبة، إن لم تكن غير ممكنة، خاصة في ظلّ تقديرات بأن العدد المطلوب من أعضاء الكنيست من خارج اليمين لتشكيلها غير متوافر.
بالطبع، لا يمكن استبعاد أي فرضية أو تبنّيها، ولا سيما أن استطلاعات الرأي تتأرجح في ما بينها. لكن ما سيبقى ثابتاً حتى إجراء الانتخابات هو أن اليمين، بأحزابه وشخصياته وجمهوره العريض المتنامي في تطرفه خلال السنوات الماضية، هو الأقوى في الساحة السياسية الإسرائيلية، وبإمكانه ردم، ومن ثم تجاوز، الفجوة التي أظهرتها استطلاعات الرأي بين «الليكود» (30 مقعداً) ولائحة غانتس («أزرق أبيض» 36 مقعداً)، علماً بأن الأحزاب الدينية تُعدّ حليفاً طبيعياً لـ«الليكود»، فيما يُعدّ مجموع المقاعد العربية (فلسطينيو الـ48)، التي يصعب على غانتس ضمّها إلى ائتلافه (إن رضيت)، في عداد الوسط واليسار، لدى الحديث عن إمكان تفوق الأخير وفوزه على اليمين.
الأكيد أيضاً أن نتائج استطلاعات الرأي ستتسبّب في تنافس وتجاذب حادّين إلى حين إجراء الانتخابات، وهي نتيجة نقيضة لما كان مسلّماً به ابتداءً إزاء حتمية فوز «الليكود» بلا منازع. وهذا الحراك وحِدّته يستدعيان المتابعة، خاصة أن إرادة جذب الأصوات قد تدفع إلى اتخاذ مواقف متطرفة، من شأنها التسبّب في تصعيد أمني أو مجازفة ما على هذه الجبهة أو تلك. ومن الآن، بدأ نتنياهو يلعب دور الضحية، والمتآمَر عليه من اليسار ووسائل الإعلام التي اتهمها بالوقوف ضده لإسقاطه، مع تحذير جمهور اليمين من أنه سيسقط أيضاً مع إسقاطه شخصياً، الأمر الذي يراهن على أن يؤمّن له تكاتفاً يمينياً معه.
في المقابل، بدا غانتس ورفاقه «سُكارى» بنتيجة الاستطلاعات، إلى حدّ تأكيدهم الفوز وتقسيمهم الحكومة في ما بينهم من الآن؛ إذ وُزعت مقاعد الوزراء وفق الأحجام التي أظهرتها استطلاعات الرأي، على أن يتولى غانتس رئاسة الحكومة، ولابيد الخارجية، فيما يتولى يعلون الأمن، ليعود لابيد لتولي رئاسة الوزراء بعد عامين في أعقاب غانتس. وعلى رغم أهمية الشراكة بين الجانبين، سقطت محاولات تشكيل لائحة مشتركة من اليسار مكوّنة من حزب «العمل» (يسار الوسط) و«ميرتس» (يسار)، الأمر الذي كان بإمكانه منع تشتت الأصوات اليسارية وانزياحها إلى يسار الوسط (غانتس وحلفائه)، وإن كانت في المحصلة تصبّ في السلة الكلية لمعارضي نتنياهو، رغم الخلافات في ما بينهم.
في موازاة ذلك، دفع خطر اتحاد الوسط، وتزايد الحديث عن احتمالات فوزه وفقاً لاستطلاعات الرأي، نتنياهو، إلى العمل على تحقيق اتحاد مقابل لمنع انزلاقه عن كرسي رئاسة الوزراء، لكن التجاوب كان محدوداً؛ إذ امتنعت معظم الأحزاب اليمينية عن تلبية دعوات نتنياهو («إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان، وكذلك حزب «اليمين الجديد» برئاسة نفتالي بينِت). جراء عدم التجاوب، اكتفى «الليكود» (نتنياهو) بالاتحاد في قائمة مشتركة مع «البيت اليهودي» المتطرف، الذي تلقى وعوداً في شأن مكانته في الحكومة المقبلة في حال تشكيلها برئاسة نتنياهو، وكذلك مع عدد من الأحزاب والشخصيات التي يُشكّ في ضمان تجاوزها نسبة الحسم (العتبة الانتخابية). هذا الإخفاق من شأنه الضغط أكثر على نتنياهو قريباً، وتحديداً لجهة التنافس على أصوات اليمين بين اللوائح اليمينية نفسها، فضلاً عن تهديد غانتس ورفاقه من الوسط واليسار.
في المحصلة، لم تعد حتمية فوز «الليكود» ونتنياهو في الانتخابات قائمة، وإن كان أصل التكليف في نهاية المطاف وارداً بقوة. فالتقدير الأولي يدور حول فوز غانتس بعدد مقاعد أكبر وتكليفه ابتداءً تشكيل الحكومة، لكن مع تعذر القدرة على ذلك. وهي صورة قد تتغير لاحقاً، وإن كان يستبعد تحقق مكونات هذا التغير حتى نيسان المقبل. مع ذلك، لدى نتنياهو تحديات غير سهلة لا ترتبط حصراً بالسعي إلى زيادة عدد المقاعد اليمينية في الكنيست بهدف بلورة ائتلاف أكثر استقراراً وانسجاماً، بل في أصل إمكانية تشكيل هذا الائتلاف الذي بات موضع شكّ في الحد الأدنى، وإن كان الأمر لا يصل إلى تعذر التشكيل كما هي الحال لدى غانتس، للاختلاف في القوة والمكانة بين الجانبين.
في الموقع الآخر، خارج الساحة الإسرائيلية حيث انعكاسات المعركة الانتخابية وتأثيراتها، تجدر الإشارة وتجب إلى أن هناك مَن يراهن معانداً على إمكان التوصل إلى تسويات مع هذا الفريق الإسرائيلي أو ذاك في حال نجاحه في الانتخابات المقبلة، معتمداً على طروحات هذا الفريق في تفريقه عن طروحات الآخر، مع العلم بأن كليهما يعملان بتطرف، وإن بصورة متباينة، على إنهاء القضية الفلسطينية بلا أي أثمان مقابلة. ومن جهة أخرى، قد يرى بعضهم أن هذه الانتخابات تشكل محطة مفصلية في تاريخ إسرائيل السياسي والأمني، خاصة مع إمكانية تغيير الهوية السياسية للحكومة المقبلة، نظرياً. وفق هذه «الرؤية»، قد يتجلى في أعقاب الانتخابات، وربما في سياقها، تعاطٍ مختلف في مجمل المشهد الإقليمي، خاصة أن التحديات تتنامى، ويختلف الإسرائيلي في كيفية التعاطي معها.
لكن في نظرة مغايرة لا تستبعد صحتها، تبقى هناك التحديات التي تواجه إسرائيل هي نفسها مهما كانت هوية الفائز في الانتخابات، إن في الجبهة الشمالية الأقرب مع سوريا ولبنان، وإن في الجبهة الأبعد مع إيران، أو في الجهة الجنوبية مع قطاع غزة، وكلها تحديات متعاظمة، مع خيارات إسرائيلية ضيقة لا تسمح لتل أبيب بتغيير طريقة تعاطيها، مهما كانت هوية الفائز أو الساعي إلى الفوز.
المصدر: وكالات.