يؤكد سياسيون أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها الأراضي المحتلة عام 1948 امتدادًا للعدوان الإسرائيلي على القدس وغزة، شكلت صدمة لـ"إسرائيل" ستؤثر على نتائج مشاريع الأسرلة التي لطالما نفذتها لمحاولة سلخ الفلسطينيين في الداخل عن هويتهم وتقييد عقولهم بـ"المواطنة الإسرائيلية".
ويرى هؤلاء في أحاديث منفصلة مع وكالة "صفا" أن صورة الأحداث بالداخل وأداء الفلسطينيين في التعبير عن انتمائهم وامتدادهم الجغرافي والوطني مع غزة والضفة والقدس، سيجعل من "إسرائيل" تتحرك بعدة اتجاهات لاحتواء هذا الامتداد ومحاولة الالتفاف عليه، بالرغم من أنه ليس بالجديد على فلسطينيي الـ48.
وشهدت مدن الداخل الفلسطيني مواجهة عنيفة وتظاهرات على مدار الأسبوعين الماضيين تنديدًا بالعدوان على المسجد الأقصى وأهالي الشيخ جراح، واشتدت عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد رد المقاومة على عدوان الاحتلال على المسجد الأقصى.
وخلال المواجهات أظهر الشبان الغاضبون عنفوانًا في التعامل مع المؤسسة الإسرائيلية الأمنية ممثلة بقوات شرطة الاحتلال والقوات الخاصة وهو السلوك الذي تعتبره "إسرائيل" خطرًا وفشلًا لمشاريع الأسرلة.
صدمة فشل الأسرلة والخطر القادم
ويقول المختص بالشأن الإسرائيلي إنطوان شلحت لوكالة "صفا" إن الأحداث الأخيرة بالداخل التي جاءت امتدادًا لحالة الغضب في القدس والضفة وغزة شكلت ردًا حاسمًا على مشاريع الأسرلة، إذ سيبقى سؤال فشل الأسرلة مفتوحًا داخل الكيان في المستقبل.
ويضيف في حديث لوكالة "صفا"، أن "الإسرائيليين يستخدمون كلمة خطر تجاه ما بدر من الفلسطينيين في الداخل، لأنهم لا يفكرون إلا بالأسرلة، وهو المنطق الوحيد الذي تتعامل فيه الحكومة معهم، ولا تعترف بأي حقوق قومية لهم".
ويرجع العنفوان الذي برز في مواجهات واشتباكات الداخل إلى تراكمات سابقة وغضب وإحباط وسط فلسطينيي الداخل، ليس فقط من التعامل من المؤسسة الإسرائيلية معهم، وإنما من واقع القوى السياسية الممثلة لهم في الكنيست، والتي قطع بعضها شوطًا في المضي بمشاريع الأسرلة.
هذا الإحباط بدا سابقًا في المعارضة التي انعكست في انتخابات الكنيست المتتالية الأخيرة، وتحديدًا مقاطعة الانتخابات، إذ لم تتوجه النسبة الأكبر من فلسطينيي الـ48 إلى صناديق الاقتراع.
وبالإضافة إلى ما سبق؛ فإن "الإحباط من الواقع الانقسامي الفلسطيني الجغرافي والسياسي وعدم وجود وحدة حقيقية سياسية كان مسببًا للعنفوان ليس فقط في الداخل وإنما في الضفة والقدس، وهنا تظهر الأهمية القصوى لكل الأحداث التي شهدتها فلسطين، وهي الوحدة الحقيقية التي أوجدتها بين كل فئات الشعب الفلسطيني في الداخل بل وامتدت للشتات أيضًا، وهو ما يتعطش له الشعب الفلسطيني"، يقول شلحت.
ولكن المختص بالشأن الإسرائيلي ينوه إلى أن السلوك الوطني لفلسطينيي الداخل مع موجة الاعتداء على الأقصى والشيخ جراح ليس بالجديد، مستحضرًا معارك سابقة لهم مع الاحتلال في يوم الأرض ثم الانتفاضة ومنها هبة القدس والأقصى وصولًا لهبة البوابات الإلكترونية عام 2017 ثم الهبة الأخيرة.
ويرى شلحت أن كل مكان في فلسطين دفع ثمنًا باهضًا للأحداث الأخيرة، فغزة -كما يقول- دفعت الثمن الأكبر من دماء ودمار، والداخل دفع ثمن جديدًا وهو حجم الاعتقالات بالآلاف وإدخال الجيش للمدن والقرى وتحشيد دخول عصابات المستوطنين إليها، في وقت كانت تظهر "إسرائيل" بأنها تتعامل معهم كمواطنين.
وتوقع شلحت أن يكون حجم أي ردة فعل أو هبة فلسطينية في الداخل قويًا، كون الأحداث الأخيرة أسست من جديد لتعامل مختلف مع التصرفات والانتهاكات الإسرائيلية، ليس لشيء إلا لأنهم جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية.
وخلال الأحداث بالداخل استشهد شابان وهما موسى حسونة من اللد التي كانت شرارة الأحداث فيها عنيفة إلى درجة هروب كل المستوطنين منها بحماية شرطة الاحتلال، أما الشهيد الثاني فهو محمد كيوان الذي استشهد في مدينة الفحم أمس متأثرًا بجراحه خلال الأحداث بالمدينة التي أيضًا كانت فيها حدة الاشتباك عنيفة.
ومنذ الأحداث قبل نحو أسبوعين اعتقلت شرطة الاحتلال العشرات من الشبان في عدة بلدات بالداخل، منها عكا ويافا وحيفا والناصرة وكابول وطمرة وجسر الزرقاء، وشفا عمرو، والطيبة وكفرقاسم، وأم الفحم، ومجد الكروم، وباقة الغربية، وحورة، وعكا، وخلال استخدم الاحتلال الرصاص الحيّ في بعضٍ منها.
وأصيب عدد من جنود الاحتلال بجراح، اثنان منهم بحالة الخطر، خلال مواجهات مدن الداخل، كما أحرق الشبان عددًا من سيارات ومقرات شرطة الاحتلال في عدة مدن.
إعادة ترتيب من الطرفيْن
من جانبه، يرى السياسي والأكاديمي وعضو الكنيست عن التجمع الوطني الديمقراطي إمطناس شحادة أن ما حدث في الداخل سيؤثر على العلاقة بين فلسطينيي الـ48 والمؤسسة الإسرائيلية، وهي علاقة بحاجة لإعادة ترتيب من المنطق الفلسطيني.
ويقول في حديث مع وكالة "صفا": "من المنطق الإسرائيلي هي كسرت توقعاتهم من المجتمع الفلسطيني بالكيان، بل وأداء وتصرفات الفلسطينيين في الأحداث بعد سنوات طويلة من السياسيات الإسرائيلية ومحاولات قمع الهوية الفلسطينية".
ويشير إلى أن منسوب الخطر لدى "إسرائيل" ارتفع لارتفاع منسوب الوطنية لدى هذه الفئة من أبناء الشعب الفلسطيني، التي هي موجودة أصلًا لكن كان هناك محاولات لتكتيفها.
وما يميز فلسطينيي الـ48 أنهم الوحيدون الذين باستطاعتهم الدخول إلى القدس من خارجها في أي مواجهات أو حماقات إسرائيلية ترتكبها بالمدينة، وهو الدور الذي اتخذوه حينما اعتدى الاحتلال على الأقصى وأهالي الشيخ جراح، حينما هبوا بسياراتهم وحافلاتهم ودخلوا القدس رغمًا عن محاولات منعهم.
وستستعمل "إسرائيل" لمحاولة الالتفاف والاحتواء لفلسطينيي الداخل عبر اثنتين من الأدوات، أولهما -وفق شحادة- الأداة الأمنية التي ستتمثل في زيادة جرعات التعامل الأمني مع المجتمع الفلسطيني بالداخل عبر الشرطة والشاباك والاعتقالات وسطهم.
أما الأداة الثانية فهي "الاحتواء" عبر الميزانيات والمشاريع الاقتصادية والأسرلة، لفرض المواطنة عليهم، وهي محاولات أثبتت عدم نجاحها في الواقع حتى الآن.
ويرى أن أي هبة مقبلة في الداخل تكون امتدادًا للأحداث بالقدس وغزة أو الضفة، لا يمكن التنبؤ بمدى قوتها لكونها مرهونة بالتصرفات الإسرائيلية وطبيعة الاعتداءات، إلا أن شحادة يؤكد أن لفلسطينيي الداخل موقف وطني واضح في الاحتجاج والتضامن والتصدي للانتهاكات الإسرائيلية في الداخل وفي القدس والضفة وغزة أيضًا.
صفا